تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[قواعد التدبر (القواعد العلمية)]

ـ[محبة القرآن]ــــــــ[07 Sep 2010, 06:56 ص]ـ

قواعد التدبر

(القواعد العملية)

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:

فقد تقدم ذكر جملة من القواعد العلمية التي تمثل أساساً لقدح زناد الفكر، وإذكاء جذوة العقل، وفتح أقفال القلب، لتحصيل التدبر، الذي يورث الانتفاع بالقرآن العظيم. وإلى جانب تلكم القواعد العلمية المنشئة، هناك قواعد عملية مساعدة، تعين العقل على القيام بوظيفته، وتستجيش القلب لتفجير ينابيع الحكمة، من الذكر الحكيم. فمن ذلك:

أولاً: الترتيل، والتغني: وصفان يتعلقان بالأداء، يؤثران في التالي، والسامع. قال البغوي، رحمه الله: (ترتيل القراءة: التأني، والتمهل، وتبيين الحروف، والحركات) شرح السنة: 2/ 465. وقد وصف ذلك أنس، رضي الله عنه، لما سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: كان يمد مداً. ثم قرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) يمد بسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم. رواه البخاري. وكذا صنعت أم سلمة، رضي الله عنها، لما نعتت قراءته، صلى الله عليه وسلم، فإذا هي تنعت قراءةً مفسرة، حرفاً، حرفاً) رواه الثلاثة.

وهذا اللون من الأداء، يتيح للعقل أن يستحضر المعاني، وللقلب أن يستدعي المشاعر، دون ازدحام، أو تداخل، كمن يشرب الماء بأنفاس، فيهنأ به، بخلاف من يعبه عباً، بنفس واحد، كشرب البعير.

وأما التغني فوصف تحسيني، تكميلي، يراد به: تحسين الصوت بالقرآن. وفي المتفق عليه: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن). قال القرطبي، رحمه الله: (أي ليس منا من لم يحسن صوته بالقرآن) مقدمة الجامع لأحكام القرآن: 1/ 11، وحكى خلاف السلف في مسألة (التطريب). قال ابن القيم، رحمه الله: (وفصل النزاع أن يقال: التطريب، والتغني، على وجهين: أحدهما: ما اقتضته الطبيعة، وسمحت به من غير تكلف، ولا تمرين، ولا تعليم، بل إذا خلي وطبعه، واسترسلت طبيعته، جاءت بذلك التطريب، والتلحين، فذلك جائز، وإن أعان طبيعته بفضل تزيين، وتحسين، كما قال أبو موسى للنبي صلى الله عليه وسلم: (لو علمت أنك تسمع، لحبرته لك تحبيراً) ... فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه، ويستمعونه، وهو التغني الممدوح، المحمود، وهو الذي يتأثر به التالي، والسامع ... الوجه الثاني: ما كان من ذلك صناعة من الصنائع، وليس في الطبع السماحة به، بل لا يحصل غلا بتكلف، وتصنع، وتمرن، كما يتعلم أصوات الغناء، بأنواع الألحان البسيطة، والمركبة على إيقاعات مخصوصة، وأوزان مخترعة، لا تحصل إلا بالتعلم، والتكلف، فهذه هي التي كرهها السلف، وعابوها، وذموها، ومنعوا القراءة بها، وأنكروا على من قرأ بها) زاد المعاد: 1/ 492 - 493.

ولا ريب أن التغني المحمود، مدعاة لتيقظ العقل، وحضور القلب، ونشاطهما، وتنعمهما، مما يوجب تأثراً، ويثمر تدبراً.

ثانياً: الوقوف، والتكرار: وصفان زائدان على مجرد التلاوة، والأداء، يقصد بهما إعطاء النفس قدراً أكبر، وزمناً أطول، وذوقاً أنعم، للتدبر. فيتخلل ذلك إدامة فكر، أو لهج بذكر. قال حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقرأها، ثم افتتح النساء، فقرأها، ثم افتتح آل عمران، فقرأها. يقرأ مترسلاً؛ إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع) رواه مسلم. وعن عوف بن مالك، رضي الله عنه، نحوه، عند أبي داود.

إن هذا التوقف، والتقطيع، يعزز التأمل، وينتج المناجاة؛ فكأن العبد في محاورة مع ربه، ومراجعة في الكلام؛ يتملقه، ويتضرع إليه، ويعمر قلبه بمعاني العبودية.

وقد لا تطيب نفس المؤمن من قراءة الآية مرةً واحدة، ولا يحس بالشبع والامتلاء منها، حتى يكررها، ويبالغ في تذوقها. فعن أبي ذر، رضي الله عنه، قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية حتى أصبح، يرددها: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) رواه أحمد وابن ماجه، وإسناده صحيح.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير