[أموات غير أحياء]
ـ[عطيه محمد عطيه]ــــــــ[09 Aug 2010, 11:28 م]ـ
الحمد لله أحمده حمدا يليق بذاته , وأصلي وأسلم على سيدنا رسول الله صلاة وسلاما تليقان بذاته الكريمة , أرحب بكم إخواني الأعزاء , وأدعو الله العلي القدير أن يفقهنا في ديننا , وأن يعلمنا ما ينفعنا , وأن ينفعنا بما علمنا , ... آمين.
في سنة 198 هـ بويع الخليفة المأمون رح1 بالخلافة عن عمر يناهز الثامنة والعشرون , والخليفة المأمون هو عبد الله ابن هارون الرشيد الخليفة المجاهد رح1.
ظل المأمون في الخلافة مدة عشرين عاما حيث توفى في سنة 218 هـ.
ذكر له ابن جرير الطبري في تاريخه ترجمة طويلة , وكذلك ابن عساكر في تاريخ دمشق.
وسنتناول في حديثنا عن المأمون نقاطا معينة في شخصية الرجل لعل فيها العبرة والعظة.
فقد قال أهل العلم: إن الرجل كان يتميز بأمور ثلاث: أولها: غزارة العلم , وثانيها: العدل , وثالثها: الشجاعة والإقدام.
أما عن علم الرجل فقد ذكر أهل التاريخ-كما أسلفنا الذكر- مواقف كثيرة ووقائع وأحداث تشير إلى غزارة علم الرجل.
ومن هذه المواقف هذه القصة: كان المامون يجلس ومعه بعض أهل الفقه والحديث-وكانت مجالسه لا تخلو من ذلك- فدخلت عليه امرأة وقالت له: أشكو إليك ظلمي , قال: ومن ظلمكِ؟ قالت: من ورثوني , قد مات أخ لي وترك ستمائة دينار-والدينار ما كان من ذهب- فما ورثوني منها إلا دينارا واحدا , في سرعة وبداهة ضحك المأمون وقال: حينما مات أخوكِ أعتقد أنه ترك بنتين , أليس كذلك؟ قالت: بلى , قال: و أعتقد أنه ترك أمَّا , أليس كذلك؟ قالت بلى , قال: وأعتقد أنه قد ترك زوجة , أليس كذلك؟ قالت بلى , وأعتقد أنه ترك اثني عشر أخا ذكرا وأنتِ , أليس كذلك؟ قالت بلى , قال: والله ما ظلموكِ فقد أعطوكِ حقكِ , قالت كيف؟ قال قد قلتِ إن أخاكِ قد ترك بنتين , فلهما الثلثان بنص القرآن , أي ثلث الستمائة دينار أربعمائة دينار , وترك أمَّا لها السدس أي مائة دينار , وترك زوجة لها الثمن أي خمسة وسبعون دينارا, فيكون المجموع خمسة وسبعون وخمسمائة دينارا , ويتبقى خمس وعشرون دينارا , وترك اثني عشر أخا ذكرا وأنثى واحدة , فللذكر مثل حظ الأنثيين فيكون لكل أخٍ ديناران , وتبقى لكِ دينار واحد.
انظر يا رعاك الله إلى علم الرجل , وانظر إلى حكام هذه الحقبة من الزمن هل لهم أدنى علم بقرآن أو سنة , بل أكاد أجزم أن أحدهم لا يستطيع أن يفرق بين آية وحديث , وحينما يجلس أحدهم ليكون خطيبا في الناس ويتلوا بعضا من آيات القرآن الكريم فإنه لا يستطيع أن يقرآها قراءة صحيحة , فأصبحوا حكاما بلا علم.
إذا ما انتقلنا إلى الصفة الثانية التي تميز بها الخليفة المأمون رح1 فهي صفة العدل.
استأذنت عليه امرأة ذات يوم-وما كان المأمون يغلق بابه في وجه أحد , فإن العدل يقتضي ذلك , إذا كان حاكما أو أميرا أو خليفة لابد وأن يكون بابه مفتوحا للرعية , وإلا كيف يرد الظلم عن المظلومين , أما حكامنا فأن تصل إلى الواحد منهم فهذا حلم لا يتحقق لك مدى الحياة , إلا إذا كنت فنانا من أهل التمثيل أو الغناء , أو أن تكون منافقا ضلاليا-استأذنت المراة فأذن لها , فلما دخلت عليه إذا بها تشكو إليه ولده العباس , تقول إن ولدك العباس قد ظلمني , قال ماذا فعل؟ قالت قد أخذ ضيعة لي عنوة وقصرا , فأرسل المأمون في طلب ولده العباس , فلما دخل عليه وأراد أن يجلس بجوار أبيه أبى , قال هذه المرأة قد جاءت تخاصمك فاجلس بجوارها , فجلس ابن الخليفة بجوار المرأة , والمرأة هي المدعية تتحدث فبدأ العباس يتكلم ويخاصمها , فعلى صوت المرأة فسكت العباس , فقال بعض الحاضرين للمرأة معاتبا إياها بقوله: كفى-لأن صوتها قد على على صوت ابن الأمير ابن الحاكم- فغضب الخليفة المأمون وكان لا يحب النفاق وقال دعها فإن الحق قد أعلى صوتها وإن الباطل قد أسكت ولدي , ثم قضى على ولده وأعطى المرأة حقها وغرم ولده عشرة آلاف درهم في مقابل أن آذاها وفزعها.
عدل لا نحلم به الآن في ظل الديمقراطية المزعومة , باسم الديمقراطية والعدل لا تستطيع أن تقول حقا , ولا أن تتكلم بقرآن ولا سنة , باسم الديمقراطية والعدل تضيع الحقوق ويظلم الملايين.
¥