[أثر القرآن في ضبط نفس الانسان]
ـ[أحمد العمراني]ــــــــ[19 Aug 2010, 02:21 ص]ـ
أثر القرآن الكريم في ضبط نفس الإنسان
يتمحور موضوع البحث حول مفهومين أساسيين، أولهما النفس البشرية، وثانيهما أثر القرآن في ضبطها وانضباطها. فالانسان مكون من ثلاث لطائف " العقل والقلب والنفس". حيث إن دين المرء عقله، ومن لا عقل له لا دين له، وبعض الأفعال التي تقتضيها صورة الانسان كالغضب والرضا، والجرأة والخوف، والجود والشح والسخط والقبول، محلها القلب، وبالنفس يشتهي الانسان ما يستلذه من المطاعم والمشارب والمناكح.
1: النفس البشرية، قواها وأنواعها:
حديثنا إذن يهم النفس؛ الهوية الحقيقية للانسان الآدمي، ومحتواها الحقيقي هو الذي يحدد وجهة الانسان نحو السعادة، ويبين مصيره المستقبلي. فالنفس في الانسان هي صورته وهواه ورغباته وشهوته، هي أثر من آثار الروح التي تمنح النفس القوة لأداء خواصها بأمر الله تعالى كما ورد عن بعض السلف:" إذا دخلت الروح الجسد سمي نفسا، وبها تحس النفس وتشعر وتبصر وتسمع وتشم وتتذوق ".
فالنفس ترى بالعين، وتسمع بالأذن، وتحس بواسطة مسام الجلد، وتتذوق بواسطة الخلايا الموجودة في اللسان. هذه الأحاسيس والادراكات العقلية بمجموعها غير المادية هي ما يسمى بالنفس الانسانية، فإذا أخذ الله الروح وخلي الجسد منها، انقطعت تلك الطاقة عن الأسلاك العصبية، وفقدت تلك الحواس، ماتت النفس التي عبر القرآن عنها في قوله تعالى:" كل نفس ذائقة الموت ". (آل عمران/185.).
فعن طريق النفس ينصرف الانسان الى أمانيه المادية وشهواته الدنيوية فينحط بقدر اشتغاله في تلبية ذلك، وانصرافه عما يسمو به من فضائل وطاعات، أو يعلو ويسمو بانصرافه للفضائل الايجابية فيرتقي بقدر إعمال نفسه في الدرجات.
وهذا يعني ويبين أن للنفس مراتب، وأنها تخضع للتغيير والتبديل من حالة الى حالة كما حقق القرآن ذلك في قوله تعالى:" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ". (الرعد/11). فإذا نظرنا إليها في تقلباتها هذه وجدناها تمر عبر قوى أساسية تتمثل في:
-قوة الشهوة وقوة الغضب وقوة العقل، فبالعفة تهزم الشهوة، وبالشجاعة ينهزم الغضب، وبالحكمة والحرص عليها يسمو العقل، ولجميعها يحتاج الانسان؛ فلو كان عقلا فقط لكان ملَكا، لكن الله خلق الانسان الذي يخطئ ويصيب، ولو كان غضبا فقط لكان سبعا، لكنه يحتاج الى القوة الغضبية ليدافع عن نفسه، ولو كان شهوة فقط لكان بهيمة، لكنه يحتاج الى الشهوة ليعيش ويتناسل. وحسب استخدام هذه القوى المذكورة، تمر النفس الانسانية بمراحل تتصف فيها بصفات ثلاث هي:
1 - 1 - النفس اللوامة: قال تعالى:" لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة ". (القيامة /1 - 2.) حيث أقسم سبحانه بيوم عظيم لتحقيق وقوعه وبيان هوله، وإيقاظ النفوس النائمة الغافلة عنه، فتصحو وتنتبه من سباتها.
وقد ذكر الله تعالى النفس اللوامة إثر قسمه بيوم القيامة للعلاقة الوثيقة بين مصير النفس وقيام ذلك اليوم، حيث تقف فيه وحيدة دون نصير؛ فهي نفس تفعل الخير وتحبه وتعمل المعصية وتكرهها، نفس تعيش في داخلها صراعا بين الخير والشر.
فالانسان في بداية أمره إذا ارتكب ذنبا أو خطيئة ابتداء، شعر في داخله بإحساس يؤنبه، وتمنى لو لم يفعله، وإذا عاد إليه ثانية ضعفت خاصية الشعور بالذنب والخطيئة، وانتقل صاحبها الى مرحلة الميل الى المعصية واستحسانها لتنتقل نفسه من لوامة الى أمارة بالسوء ....
1 - 2 - النفس الأمارة: حيث تميل النفس الى السوء وحب العصيان، والغفلة عن الطاعة والعبادة، ويطلق عليها النفس الأمارة بالسوء؛ نفس استحوذ عليها الشيطان وسيطر على سلوكها وذوقها، وقتل فيها الحياء والعفة. هذه النفس تعلل فجورها واستمرارها في المعصية، بنسبة كل ما يفعله الانسان الى البيئة والآباء أوالمجتمع. قال تعالى:"وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا". (الاعراف/28). فتستكبر وتقع في الظلم لتقع في الخسران الأبدي، قال تعالى: " إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ". (الشورى/45). وسبب ذلك حدده الشارع في قوله تعالى:" لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا ... ". (الفرقان/21.).
¥