تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[تأملات في سورة العاديات]

ـ[آمال ابراهيم أبو خديجة]ــــــــ[16 Aug 2010, 12:21 ص]ـ

[تأملات في سورة العاديات]

سورة تطرق القلوب بسرعة أحداثها ومباغتة آياتها وإيقاعاتها، لتنتفض من غفلتها ونومها قبل أن ينتهي الزمان وينتهي العمر، ولتمسح غبار الوهم وغشاوة المعاصي والذنوب ورينها عن غطاء القلوب، ولتسرع للعمل كفارس مغوار لتستنير بنور الإيمان والعمل الصالح، سورة تُعلمنا كيف نكون على حذر وترقب دائم مع المسابقة والمسارعة في البذل والعطاء والمجاهدة في سبيل الله قبل فوات الأوان وانقطاع الأنفاس الأخيرة بهذه الحياة، سورة فيها تنبيه وتحذير وزجر لسوء العاقبة والمصير وسرعته في المجيء لمن غفل ونام في سبات الشهوات والمعاصي وأنكر على ربه تفضله عليه بالنعم والخير الكثير.

نستعرض أحداث هذه السورة بسرعة إلقائها وجمال تصويرها ورهبة وعيدها وتوعدها لعلنا ننبه القلوب من غفلة الدنيا، ونعود إلى الهدف الحقيقي من وجودنا وهو أن لا تكون أنفاسنا إلا لله وحده.

المقطع الأول:

وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)

أقسم الله سبحانه بالعاديات وهي التي تعدو في سيرها أي كما قال ابن عاشور " العادية هي الجري السريع والذي يطلق على الخيل والإبل في أغلب الأحيان ".

فالعدو والجري السريع لا بد أن يكون فاعله لأجل تحقيق هدف ما أو غاية يريد أن يصل إليها بأقصر الأوقات وأنسبها، ليفوز دون أن يسبب لنفسه الأضرار التي من المتوقع أن تباغته لو أخر سرعته أو اختار زمنا لا يتناسب مع تلك السرعة. كما أن العدو السريع أحيانا يكون بسبب التنافس والتسابق مع الآخرين لأجل الوصول للفوز والهدف فكما جاء في تعريف الأصفهاني للعدو أنه " التجاوز ويطلق على المشي ".

كما أن العدو السريع يزيد من سرعة التنفس والتهيج لجميع أعضاء البدن لأجل بذل الطاقة الكبيرة التي تعينه لتتناسب مع سرعة الجري للحاق قبل فوات الأوان، حيث لو فقدت الطاقة الداخلية لن يستطيع أن يعدو بسرعة حتى يصل للهدف المطلوب فيكون من المتأخرين في عدوه. فقول الله سبحانه (ضبحا) كما قال ابن عاشور " هو اضطراب النفس المتردد في الحنجرة دون أن يخرج من الفم ".

ثم لكي يحدث الفوز الأفضل في تحقيق الهدف من العدو لا بد أن يختار الوقت والزمان الأنسب للإغاره، فذكر الله سبحانه وقت الصباح بقوله (فالمغيرات صبحا) أي كما قال ابن عاشور أغار أو غزا الجيش وقت الصبح أي بعد الفجر "

حيث يكون ذلك الوقت مع بداية اليوم والناس في غفلة نومهم ولم تبدأ حركة الحياة بعد، ولم ينتبه الناس لما يدور من حولهم، ويكون الهدوء يعم المكان، والرؤية بدأت تتضح أفضل مما كان عليه الليل، كما أن حركة الكون كلها بجمالها وسكونها تعطي للنفس اشراقات جميله من التفاؤل والأمل والإقبال بصفاء فكر وبصيرة أشد لتحقيق الهدف، كما أن لهذا الوقت من الزمان تأثير كبير لتحسين الحالة المزاجية والنفسية للإنسان مما تزيد من قوته وإقباله على تحقيق ما يصبو إليه.

فالإغارة فيها معنى المباغتة والمفاجئة في الحدث والفعل حيث لا تعطي الفرصة لمن أُغير عليه أن يعد نفسه ويتجهز للمواجهة أو يأخذ حذره، فيكون ذلك سرعة في تحقيق الفوز والوصول للهدف لمن أغار.

كما أن مع سرعة العدو الشديد المستهلك لكل طاقة البدن لا بد أن يكون لذلك أثر على ما يَحتك به البدن وخاصه الأقدام من الأشياء حولها، فأكثر ما يحتك به تراب الأرض فهذه السرعة الكبيرة تعمل على إثارة وإهاجة التراب فيخرج منه الغبار ليتناثر في الجو، وهذا الغبار سيعيق الرؤية أو يجعل غشاوة على البصر لا يستطيع أن يرى المغار عليه سرعة ما يقدم عليه أو شدته، فهو ما لبث أن استيقظ من نومته ليفرك عينيه من أثر النوم الطويل فلا يكاد أن ينتهي من ذلك إلا وقد وجد من أغار عليه في وسط داره وقد أحكم قبضته عليه.

قال ابن عاشور «وأثَرنَ به نقعاً»: أصعَدْن الغبار من الأرض من شدة عدْوِهن، والإِثارة: الإِهاجة، والنقع: الغبار ".

يقول ابن عاشور حول هذه الأيه:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير