تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[ملاحظات منهجية حول إنتاج المعرفة القرآنية]

ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[17 Aug 2010, 08:12 م]ـ

ملاحظات منهجية حول إنتاج المعرفة القرآنية*

محمد بن جماعة

لئن كان القرآن الكريم يمثل كتاب هداية للمؤمنين به، فإنه يعتبر أيضا كتاب الزمن كله والإنسانية كلها، يعكف عليه الباحثون المتخصصون وعامة المسلمين تفسيرا وتعليلا وتنزيلا في الواقع.

وتحتوي المكتبة الإسلامية على آلاف الكتب التي تجعل من القرآن الكريم محورا لها، إما لبيان معانيه أو لتوفير المادة العلمية المساعدة على فهم معانيه. وقد تشعبت المعارف القرآنية وكثرت تفاصيلها نتيجة لهذا العدد الهائل من المؤلفات، والمتكاثر باستمرار، بحيث أصبح من الصعوبة بمكان على الباحث المتخصص، فضلا عن غير المتخصص، أن يحيط بجزئيات فن واحد من فنون العلم فضلا عن أن يحيط بمختلف المعارف القرآنية.

ومن خلال نظرة سريعة وشاملة على هذه المكتبة، يمكن الخروج بثلاث ملاحظات منهجية:

1 - الملاحظة الأولى:

وتتمثل في أن التعاملَ مع القرآن الكريم يتنازعه اتجاهان خاطئان (1)، يرى أحدهما الاكتفاء بدلالة النص زمن نزوله، وأن كتاب الله قد فسره العلماء الراسخون في العلم تفسيرات استغرقت جميع معانيه، وما على المسلم المعاصر إذا أراد فهمه سوى أن يعود إلى أقوال السلف الصالح، ولا مجال بعدها لمستزيد. ويقوم هذا الاتجاه على أن للقرآن معنى تاريخيا فقط، يتمثل في جملة المعاني التي استنبطها المفسرون الأوائل كالصحابة والتابعين وعلماء القرون الأولى، والتي مثلت إطارًا دلاليًّا للغة القرآنية. ويكمن خطأ هذا الاتجاه في كونه يؤدي إلى:

* السقوط في تعارض بين الإطار التاريخي للمعنى القرآني وبين صلاحيته لكل زمان ومكان،

* وإلى الوقوع في وهم المطابقة بين الكلام المفسِّر والكلام المفسَّر في التنزيه والقدسية.

أما الاتجاه الثاني فيرى أن النص القرآني نص لغوي مفتوح يخضع، كأي نص من النصوص، لتطور الدرس اللغوي والأدبي والتاريخي، ويبقى ميدان تجربة للقارئ يقرأ فيه ما يشاء. ويرى هذا الاتجاه أن معنى النص يمكن أن تتعدد وتتنوع قراءاته، وبالتالي فما يهم هو دلالة النص "زمن قراءته". ويتمثل انحراف هذا الاتجاه في كونه يجعل النص تابعاً للمتلقي المزوّد برؤى قبلية ومعانٍ جاهزة، بدل أن يتجه المعنى من النص إلى القارئ.

2 - الملاحظة الثانية:

وتتمحور حول طبيعة الدراسات القرآنية وكيفية توليد المعارف القرآنية، حيث توجد مقاربتان مختلفتان في توليد هذه المعارف:

إحداهما يمكن تسميتها بالمقاربة التجزيئية أو التحليلية ( Analytical Approach)، وتقوم على اعتبار المواضيع الضخمة والمتشعبة غير قابلة للدراسة بدون تجزئتها وفصل أجزائها بعضها عن بعض، بما يسمح بالتعمق في تفاصيل كل جانب من الجوانب على حدة. وبالتالي فهي تقوم على الخطوات التالية (2):

* تقسيم كل واحدة من المعضلات المختبرة إلى أجزاء على قدر المستطاع، وعلى قدر ما تدعو الحاجة إلى حلها على خير الوجوه،

* تسيير الأفكار بنظام، بدءا بأبسط الأمور وأسهلها معرفة، للوصول بخطوات تدريجية إلى معرفة أكثر ترتيبا، بل وفرض ترتيب بين الأمور التي لا يسبق بعضها الآخر،

* القيام بالإحصاءات الكاملة والمراجعات الشاملة بما يضمن عدم إغفال أي شيء.

ومن خصائص هذه المقاربة: الدقة في الجزئيات، والتفصيل في القواعد، والاكتفاء بتحديد طبيعة العلاقات والتفاعلات بين الجزء المدروس والأجزاء الأخرى المحيطة به.

وقد شاعت هذه المقاربة في حقل البحث الفقهي، ثم انتقلت إلى حقل البحث القرآني، فأدت إلى ظهور ما اصطلح عليه بعلوم القرآن. ونتج عن تطبيقها:

- تفريع علوم القرآن إلى عدد كبير، فظهرت كتب متخصصة في أسباب النزول، أو المحكم والمتشابه، أو الناسخ والمنسوخ ... وذهب بعضهم في التفريع إلى حد الإغراق في الجزئيات، فجعل علوم القرآن –مثلا- أكثر من 120 علما،

- تكريس الاستقلالية بين العلوم المتفرعة، فأصبحت علوم القرآن والتفسير وأحكام القرآن والأصول، مثلا، تخصصات مستقلة بعضها عن بعض،

- ظهور التفاسير الترتيبية التي تفسر القرآن آيةً آية، ولفظًا لفظا.

وتكمن أوجه القصور في المقاربة التحليلية في النقاط التالية:

- الاضطرار إلى تحديد الإشكاليات المدروسة بشكل ضيق وفرعي،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير