[دلالات عنوان (في ظلال القرآن)]
ـ[بودفلة فتحي]ــــــــ[13 Aug 2010, 04:09 م]ـ
دلالات عنوان " في ظلال القرآن" لسيد قطب
حين أراد سيد أن يجعل لمقالاته التفسيرية في مجلة المسلمون عنوانا لا بدّ وأنه قد مرّ بذهنه وفكره عناوين شتّى يختار منها ما يرنّ في الآذان و ما من شأنه أن يجلب القارئ ويلفت انتباهه ولكن قبل هذا وذاك ـــ وهذا هو أصل العنوان ـــ ما يعبّر عن موضوع المقالات عن المادة المقدمة عن محتواها أسلوب تقديمها عن الأهداف والغايات المتوخاة منها ....
فالعنوان لا يضعه صاحبه اعتباطا واتفاقا بل لا بدّ من انتقائه ووفق معايير عدّة متعلقة بالموضوع أو المنهج أو الهدف ..... إلخ ...
ونحن إذْ نهتم بعنوان الظلال فلأننا نريد أن نستنبط منه بعض ما يفيدنا ويهمنا في الوقوف على منهجه وأسلوبه في التفسير ....
ولعل أوّل ملاحظة نسجلها حول عنوان الظلال أنّ صاحبه لم يتكلّفه بمعنى أنّه كان صادقا في اختياره وأنّه شيء وجده وشعر به وأحسّ به من خلال طول تعامله مع القرآن الكريم ....
يقول عليه رحمة الله في مقدمة الطبعة الأولى: " ... عنوان لم أتكلفه , فهو حقيقة عشتها في الحياة .... فبين الحين والحين كنت أجد في نفسي رغبة خفية في أن أعيش في ظل القرآن فترة , أستروح فيها ما لا أستروحه في ظل سواه .... "1
إنّ لفظة الظلال في العنوان لها مدلولان؛ مدلول اصطلاحي أدبي نقدي خالص اختصّ به سيد من دون سائر النقاد ومدلول لغوي
فأما المدلول اللغوي فلعله قصد بالظلال ذلك الشعور الذي نتج عن طول ملازمته للقرآن الكريم أو لعل ورعه هو الذي دفعه إلى تجنب التعبيرات المباشرة كتفسير القرآن أو تأويله أو في خضمه أو كنفه أو معه أو وسطه أو فيه .... إلخ ... فكأنّ الظلال هو ما يشعر به من ملازمة القرآن وكأنّ سيد يتناول بالدراسة هذه الظلال لا عين القرآن وذاته ....
وسنحاول في هذا المبحث التنصيص على جميع هذه الدلالات والتنقيب عن أثرها في تفسيره رحمه الله ...
أولا الشعور الناتج عن طول ملازمته للقرآن الكريم:
يقول شقيقه محمد قطب في تقديمه وتقريظه للطبعة المنقحة: " في ظلال القرآن ... الكتاب الذي عاشه صاحبه بروحه وفكره وشعوره وكيانه كلّه ... وعاشه لحظة لحظة , وفكرة فكرة , ولفظة لفظة ... وأودعه خلاصة تجربته الحيّة في عالم الإيمان .... " 2
ويقول المفسّر في مقدمة ذات الطبعة: " الحياة في ظلال القرآن نعمة. نعمة لا يعرفها إلاّ من ذاقها. نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه. والحمد لله ... لقد منَّ الله عليّ بالحياة في ظلال القرآن فترة من الزمان , ذقت فيها من نعمته ما لم أذقه من قبل قطّ في حياتي. ذقت فيها هذه النعمة التي ترفع العمر وتباركه وتزكيه.
لقد عشت أسمع الله ـــ سبحانه ـــ يتحدث إليّ بهذا القرآن ... أنا العبد القليل الصغير ... أيّ تكريم للإنسان هذا التكريم العلوي الجليل؟ أي رفعة للعمر يرفعها هذا التنزيل؟ أي مقام كريم يتفضل به على الإنسان خالقه الكريم؟ ... "3 ثم راح عليه رحمة الله يعدد فضائل ونعم العيش في ظلال القرآن الكريم وما استفاده من طول ملازمته له من الناحية العقائدية والفكرية والمنهجية والشعورية والسلوكية والأدبية 4 .... إلى أن قال: "هذه بعض الخواطر والانطباعات من فترة الحياة في ظلال القرآن. لعل الله ينفع بها ويهدي. وما تشاءون إلاّ أن يشاء الله " 5
ولقد كان لطول ملازمته لكتاب الله آثار كثيرة في تفسيره ربّما أبرزها الوحدة الموضوعية للقرآن كلّه وللسوّر جميعها كلّ واحدة على حدة هذه الوحدة الموضوعية التي يكاد ينفرد بها سيد قطب إذا رعينا الحجم والشكل اللذين عرضها بهما
ثم التفسير الموضوعي حيث أنّ الدراية الكبيرة بالقرآن الكريم و مواضع آياته واستحضارها في الوقت المناسب لا يتأتى إلاّ لمن طالت ملازمته ومعاملته مع كتاب الله
هذا إضافة إلى وقوفه على كلّ جزئيات الآية , فإنّ الكثير من ألفاظ القرآن الكريم التي يقرأها الواحد منّا ولا يلاحظ فيها إلا مفردات تؤدي معانٍ معيّنة ... يقف عندها سيد مليّاً ليستنبط من المعاني والأحكام ما لم يكن القارئ العادي يتخيله حتى و ما ذاك إلاّ لطول ملازمته لكتاب الله تعالى
ثانيا استعماله لفظة الظلال ورعا من أن يوجه فهمه ورأيه وتفسيره للقرآن مباشرة
¥