تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[العقيدة وتدبر القرآن]

ـ[محبة القرآن]ــــــــ[17 Aug 2010, 11:28 م]ـ

[ CENTER] بسم الله الرحمن الرحيم

[العقيدة وتدبر القرآن]

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:

فإن (القرآن المبارك) مستودع العقيدة، ومنبعها. و (رمضان المبارك) مبدأ نزول القرآن، وموسم مدارسته. و (التدبر) هو الغاية التي لأجلها أنزل القرآن، كما قال تعالى (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب).

ولئن كانت (العقيدة) تمثل منظومة اليقينيات، والحقائق الغيبية، التي جاء بها الكتاب العزيز، والسنة الصحيحة، فإن (التدبر) هو الذي يعقدها في القلب. وهذا الانعقاد يتفاوت إحكاماً بين مؤمن وآخر، بحسب حظه من آلته، وهو التدبر.

حينما يستغرق بعض الناس في قراءة رواية ما، يجدون أنفسهم مستلبين، مأخوذين، بأشخاصها، ورسومها، وأحداثها، حتى لربما تراءى لهم ذلك في حياتهم اليومية؛ فمن يقرأ قصة عاطفية، غرامية، تصطبغ مخيلته بلون معين من الصور، والأشكال، والمشاعر، وربما انعكس ذلك على علاقاته. ومن ينهمك في قراءة قصة (بوليسية) تسبح خيالاته في أجواء الجريمة، والعنف، والمطاردة، ولعله يتقمص بعض شخصيات روايته، أو ينظر إلى الآخرين من خلالها. وحين ينكبُّ الطالب على دراسة كتاب في الرياضيات، أو الفيزياء، أو الأحياء، أو غير ذلك، تستحيل الحياة عنده إلى حزمة من المعادلات، أو الموجات، وربما خيل إليه أنه يبصر الكائنات الدقيقة.

أما حين يقبل المؤمن على كتاب الله، يتلوه حق تلاوته، ويسلم له عقله، وقلبه، فسرعان ما يسري فيه روح عجيب، يعيد ترتيب النفس، وتنظيم الفكر، وضبط الوجدان. يجد كلاماً جليلاً، وقولاً ثقيلاً، ونوراً مبيتاً. قال تعالى: (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا).

(القرآن) حقاً معجزة خالدة! تذعن له الأعناق، وتطأطئ له الرقاب، وتذرف له الدموع، وتخشع له القلوب، وتقشعر منه الجلود، ثم تلين لذكر الله! بالله عليكم! هل يجتمع ذلك التأثير في غير القرآن؟ لا والله!

لقد هز أركان العتاة، وكسر شوكتهم، وأطفأ فوعتهم. فقد روى ابن إسحاق في السيرة: (أن عتبة بن ربيعة، وكان سيدًا، قال يومًا، وهو جالس في نادي قريش، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش! ألا أقوم إلى محمد، فأكلمه، وأعرض عليه أمورًا، لعله يقبل بعضها، فنعطيه أيَّها شاء ويكف عنا؟

وذلك حين أسلم حمزة، ورأوا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيدون، ويكثرون

فقالوا: بلى يا أبا الوليد، فقم إليه فكلمه.

فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السِّطَة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم، ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم. فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها، لعلك تقبل منا بعضها.

فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قل يا أبا الوليد، أسمع".

قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريدُ بما جئتَ به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا، حتى تكون من أكثرنا أموالاً. وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا، حتى لا نقطع أمرًا دونك. وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا. وإن كان هذا الذي يأتيك رَئِيّا تراه، لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يُدَاوَى منه، أو كما قال له.

حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- يستمع منه، قال: "أفرغت يا أبا الوليد؟ "

قال: نعم.

قال: "فاستمع مني"

قال: أفعل.

قال: {بسم الله الرحمن الرحيم. حم. تَنزيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ}

ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها يقرؤها عليه.

فلما سمع عتبة، أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يسمع منه،

ثم انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السجدة منها، فسجد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير