[مقال: الليالي الرمضانية، لإبراهيم السكران (تأملات قرآنية بديعة)]
ـ[حاتم القرشي]ــــــــ[10 Aug 2010, 09:26 ص]ـ
دَوِيُّ الليالي الرمضانية
بقلم: ابراهيم السكران
الحمدلله وبعد،،
من الذكريات التي تنتاب خاطري بشكل عشوائي صورة تتراءى لي كثيراً من أحد مساءات رمضان .. فمن المشاهد في ليالي رمضان، وخصوصاً في هذا العِقد الأخير، أن المساجد صارت تتفاوت كثيراً في توقيت صلوات التراويح والتهجد بحسب ما يرتاح له أهل كل حي ويتوافقون عليه .. ولذلك فكثيراً ما تكون في منزلك قد انتهيت من الصلاة بينما تسمع بعض المساجد المجاورة لا زالوا في جوف صلاتهم .. وهذا ما وقع لي ذات ليلةٍ تكاد ذكراها تتهدج في نفسي ..
كنت في غرفتي الخاصة أعِدّ بعض الأوراق، وأمامي طبق أتت به الوالدة مما تبقى من معجنات الإفطار ودسته فوق مكتبي بلطف حتى أتناوله دون مفاوضات، يارزقني الله وإخواني القراء بر والدينا أحياءً وأمواتاً، وفي ثنايا انهماكي في هذه المهام .. تسرب من خلال النافذة صوت مسجد الشيخ القارئ خالد الشارخ، وهو مسجد تتلبد عليه وفود الشباب والفتيان من الأحياء المجاورة في شرق الرياض .. توقفت عن العمل .. وفتحت النافذة وكانت ليلة عليلة .. وكادت أذني أن تنخلع تجاه مصدر الصوت .. أظنها كانت آيات من سورة المائدة إن لم أكن واهماً .. والله إنني أكاد ألمس السكينة تتطامن فوق كل ذرةٍ حولي .. شعرت أن الهواء ليس كالهواء .. وأن السماء ليست السماء .. هناك شئٌ ما أفلست قواميس الدنيا أن تمدني بعبارة أصف بها ذلك الإحساس ..
رباه .. أي شئ يفعله القرآن يا إلهي في النفوس البشرية ..
ومما يعبُر في بحر هذه الذكرى أنني أتذكر وأنا صغير أن أحد قريباتي المسنّات كانت إذا عادت من صلاة التراويح اتجهت إلى التلفاز تشاهد نقل صلاة التراويح من المسجد الحرام .. ولا أحصي كم شهدت دمعاتها تتلامع في محاجرها حين تتسمر أمام تلك الصفوف المهيبة المطرقة حول كعبة الله المشرفة والقرآن تتجاوب به منارات الحرم وسواريه ..
هذه الأيام التي لا يفصلنا فيها عن رمضان إلا مسيرة ثلاثة أيام، يكثر فيها تبادل التهاني والدعوات، بلغنا الله وإياك رمضان، وفقنا الله وإياك لصيام رمضان وقيامه، أحببت أن أبارك لك قدوم الشهر الكريم، الخ .. حين رأيت بعض هذه التهاني دار في بالي أن أنظر كيف عرض الله لنا (رمضان)؟
في أي إطار وضع الله (شهر رمضان)؟ أو بمعنى آخر: ما هي (هوية رمضان) بحسب الصورة التي يقدمها الله لنا؟
حين أخذت أتأمل الآيات القرآنية التي تعرضت لرمضان في القرآن، وجدته جاء في صيغتين، صيغة الشهر الكامل (رمضان)، وجاء في صيغة جزئية أي بعض أيامه فقط، وهي (ليلة القدر).
في الصيغة التي جاء فيها بذكر الشهر الكامل (رمضان) قال الله عنه (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة، 185] فعرّفه الله لنا بأنه الظرف الزماني للقرآن.
وفي الصيغة التي أشير فيها لرمضان بصورة جزئية، وهي أحد لياليه، جاءت في موضعين، مرةً باسم (ليلة القدر) ومرةً باسم (الليلة المباركة)، فأما باسم ليلة القدر فيقول تعالى في مطلع سورة القدر (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر، 1]، وأما باسم الليلة المباركة فيقول تعالى في مطلع سورة الدخان (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) [الدخان، 3].
وفي كلا الموضعين ذكر الله هذه الليلة عبر علاقتها بالقرآن!
يا لربنا العجب .. في المواضع التي ذكر الله فيها رمضان، بصيغة الشهر الكامل وبصيغة الليالي الجزئية، تم تقديمه في إطار علاقته بالقرآن .. أي إشارة لخصوصية القرآن في رمضان أكثر من ذلك .. استعرض كل شهور السنة الفاضلة .. شهور الحج .. الأشهر الحرم .. لن تجد كثافة في الإشارة للقرآن كما تجده في علاقة القرآن برمضان ..
¥