تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الألفاظ اليمنية في القرآن الكريم .. (ث ب ر) .. نموذجا لمنهج معالجة الأعجمي والمعرب]

ـ[رصين الرصين]ــــــــ[20 Aug 2010, 11:00 م]ـ

البحث في قضايا مثل المعرب والأعجمي في القرآن الكريم بحث شائك، ولا يكفي فيه أن يكون الباحث عالما بالعربية أوعلوم القرآن فحسب. وإني أمحض النصح مخلصا صادقا لكل من ظن في نفسه علما باللغة - ثم هو لا يعرف شيئا عن اللغات السامية - أن يطلع على ما أمكنه منها، وأخص منها (اليمنية القديمة) التي يحلو للباحثين – متابعة للمستشرقين - أن يسموها (العربية الجنوبية) ولي اعتراضات كثيرة على هذه التسمية، سجلت بعضها في مقدمة رسالتي للماجستير (ألفاظ الحرب في النقوش اليمنية القديمة) ولست الآن بصدد تفصيل ذلك.

وإن إلمام اللغوي بلغة سامية أخرى - سوى العربية – يفتح له آفاقا واسعة في التفكير والتحليل اللغويين، وهذا أمر تنبه إليه فطاحلة اللغويين في زمننا هذا، ومنهم الدكتور رمضان عبدالتواب رح1 وكان في آخر أيامه قد صرف وجهه تلقاء البحث في اللغة اليمنية القديمة؛ لما وجد أنها أقرب إلى العربية من أي لغة سامية أخرى، غير أن القدر لم يمهله. ولنا أن نعجب: كيف يسلم شيخ اللغويين في القرن الماضي - الدكتور إبراهيم أنيس - بإنكار المستشرقين أصالة الإعراب في النحو العربي؛ إلى حد الذهاب إلى توهم أن القرآن إنما نزل غير منونٍ ولا معرَبٍ، وأن ذلك إنما كان من عمل الصحابة بعد؟! إن فكرة كهذي لا يمكن أن ترد على ذهن ناشئ شاد في اللغات السامية، خبر شيئا من الأكدية، التي يظهر فيها الإعراب جليا في أشهر نقوشها (قانون حمورابي). والأكدية قبل القرآن بآلاف السنين.

وإذا كان الإلمام باللغات الأوربية ضرورة حتمية لأي لغوي، فإن الأمر مع اللغات السامية أولى وأولى.

ومن خلال تمرس سنوات طويلة بها، تبين لي أن اللغة اليمنية القديمة تأتي على رأس القائمة في الأهمية والأولوية، ذلك أنها أقرب اللغات السامية إلى العربية أصواتا، وصرفا، ونحوا، ودلالة .. ولست أقول هذا الكلام تعصبا، بل إنه أمر خبرته عن دراسة واستقراء. ولما سبق فقد قمت بدراسة بعض الألفاظ اليمنية، التي وردت في التنزيل العزيز، مما لم أجد له تفسيرا واضحا لا لدى اللغويين، ولا حتى المفسرين، في حدود ما اطلعت عليه، وتمكنت من استقرائه. وكل إنسان يسلم أن "أهل مكة أدرى بشعابها"، فقد يتفوق علينا المستشرقون في المعرفة باللغات السامية كالعبرية والآرامية والحبشية، ولكنهم لن يفهموا فهمنا، ولن يفقهوا فقهنا لألفاظ اللغة اليمنية - بجميع مستوياتها الفصيحة والعامية - أنى وردت، في النقوش القديمة، أم في الشعر الجاهلي، أو حتى في القرآن الكريم. وهو أمر سهل الفهم؛ فلن تجد أعلاما كـ (بسيوني – مدبولي – فرغلي) إلا في مصر أو من تأثر بها، ولن تجد (قناف – مبخوت – شوعي – هزاع) إلا في اليمن أومن تأثر بها، وكما لا يفهم اللفظ الهيروغليفي أحد بمستوى أعلى من المصري، فكذلك الأمر مع أي لغوي يمني، وتبقى مسألة الفطنة والإدراك وحسن القياس والاستنباط.

وأذكر أني - في محاضرة في مرحلة تمهيدي الماجستير في بغداد – كنت أستمع إلى الأستاذ المحاضر يقرأ لنا من بحث مستشرق أن (كِسيبو) عملة عراقية قديمة، ومنها اشتق الفعل (كسابو) بمعنى (حطم – شتت- دمر – فتت) وأنها مادة لا تعرفها العربية، فاستأذنته ثم لفت نظره إلى مثل قوله تعالى {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} الشعراء: 187، وقد ورد في التنزيل في خمسة مواضع. فتناول الأستاذ العالم قلمه وسجلها. ولم أكن بحاجة لأشرح له – لكن لغيره – أن العربية إذن إنما أخذت هذا اللفظ من الأكدية، مع ملاحظة الإبدال الصوتي بين الباء والفاء، مع ملاحظة أيضا أن الباء تنطق ثقيلة كالحرف الأوربي P.

وبعد هذه المقدمة، فإني لن أتناول في بحثي مطلق الألفاظ (الأعجمية: المعربة) في القرآن الكريم، لكني سأقتصر على اليمنية منها فحسب، وذلك لسببين:

1 - أن معظم تلك الألفاظ قد درس وقتل بحثا، قديما وحديثا، فلا فائدة من الإعادة والتكرار.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير