[التثبت والتبين في القرآن الكريم (موضوع مرشح)]
ـ[علي عدلاوي]ــــــــ[13 Aug 2010, 12:51 م]ـ
المقدمة:
زود الله عزوجل الإنسان بوسائل وأجهزة للعلم والمعرفة، وجعله مسئولا عنها في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وهذه الوسائل على نوعين: نوع للاستقبال والتلقي وهي السمع والبصر والفؤاد، ونوع للإرسال والنقل وهي اللسان، وقد قال تعالى في محكم التنزيل):ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) الإسراء/36.وإن الأخبار التي نتلقاها بأسماعنا وننقلها بألسنتنا أمانة ومسؤولية، يجب التثبت والتبين من صحتها أو كذبها حين التلقي أو النقل.
وإن القرآن الكريم والسنة النبوية كلاهما يؤكدان على تلك الحقيقة، ويشددان النكير على مخالفتها.
وعلماء النفس-اليوم-يؤكدون حقيقة نفسية مفادها أن الإنسان بطبعه مولع بجديد الأخبار وغرائبها فيصدق لأول وهلة ما يتلقاه، ولا يتريث حتى يتأكد منها، بل ينقلها ويشيعها بين الناس على أساس أنها حقائق ومسلمات لا تقبل الجدل .. وعليه فإنه من الواجب شرعا وعقلا أن نضبط ألسنتا فلا نروج لأخبار تناهت إلى مسامعنا مهما كانت حقيقية، حتى نتأكد من صحتها، وفي ذلك جاء التحذير الرباني: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) الحجرات/06.وقد قال الإمام النووي رحمه الله:،ورحم الله أئمة الزهد في أمتنا الذين أعطونا دروسا نظرية وعملية في وجوب حبس اللسان عن الكلام إلا للضرورة، وجزى الله خيرا رجال الحديث الشريف الذين سنوا قانونا فريدا في التعامل مع الأخبار الواردة عن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
والحق أنه لا غرابة في ذلك، فمنهج القرآن الكريم قائم على تلك الحقيقة في شتى مجالات الدين والدنيا، ثابت بالنص لمن لاحظه، إما صراحة أو كناية، إشارة أو إيماء، وهذا ما سنحاول التطرق إليه في هذا المبحث المقتضب، وإن كان الأمر يتطلب وضع مذكرة كاملة أو مؤلفا جامعا لأهمية الموضوع.
خطة البحث:
المبحث الأول: التثبت والتبين في مجال العقائد
المبحث الثاني: التثبت والتبين في مجال العبادات
المبحث الثالث: التثبت والتبين في مجال الأخلاق والمعاملات
الخلاصة
ثبت المصادر والمراجع
ـ[علي عدلاوي]ــــــــ[13 Aug 2010, 12:54 م]ـ
المبحث الأول: التثبت والتبين في مجال العقائد
الإسلام دين العقل والعلم، ولا يقبل من أتباعه الإيمان بالحقائق الكبرى التي جاء بها الإسلام بمجرد التلقي، دون نظر وتمحيص، ولذلك وجدنا القرآن الكريم قد أورد حشدا حائلا من النصوص الكريمة التي تفرض النظر وإعمال الفكر للوصول إلى اليقين والتسليم المطمئن.
ومن بين أهم النصوص في ذلك قوله تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله) 1،ولم يقل: فقل لا إله إلا الله، ذلك أن القول باللسان يحسنه كل الناس مؤمنهم وكافرهم ومنافقهم، أما العلم فيقتضي الاستدلال والتدبر والتبين عن طريق النظر في ملكوت السماوات والأرض، ومن ذلك قوله تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيى به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون) 2،ومنه قوله جل وعلا-يوجب التفكر-: (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) 3.
ولما كان السير في الأرض والتنقيب عن الآثار المدفونة ورؤية الأطلال القائمة مما يؤكد ما جاء في الكتاب العزيز، فقد ندب تعالى إلى ذلك في عدة آيات كريمة منها قوله: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير) 4،والسير المقصود هنا ليس غرضه مجرد السياحة وتمتيع الأبصار بالمناظر الخلابة المبثوثة في الأرض والمعلقة في السماء، وإنما الغرض هو التبين ومطابقة ما جاء على لسان الرسول، من هلاك الأمم البائدة وما تركوه من آثار شاهدة على صدق ما ورد في النصوص الكريمة، ومن غايات السير أيضا الاعتبار بالآيات الكونية ورؤية عظمة وجلال الخالق المبدع، قال عز وجل: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت) 5.
وفي هذا السياق جاء القرآن بأسلوب يهاجم فيه من يقلدون الآباء والأجداد في موضوع الاعتقاد، ويؤكد على وجوب النظر وإعمال الفكر، ويستحث النفوس لطلب الدليل والتبين من صدقية الرسالة والرسول، وهاهو أبونا إبراهيم عليه السلام يحاور والده بأسلوب يفيض بالشفقة والأدب من جهة، ومن جهة أخرى يحثه على التبين من معبوده الذي لا يملك ضرا ولا نفعا: (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا) 6 .. ثم يتبرأ منه ويهجره بعد أن تبين له كفره وإصراره على ما وجد عليه الأولين: (فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) 7.
¥