تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[هو خير مما يجمعون (موضوع مرشح)]

ـ[بافلح عبد الوهاب]ــــــــ[20 Aug 2010, 12:47 م]ـ

هو خير مما يجمعون

قال تعالى: {يَآ أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُومِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَالِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58)}

موقع الآية من السورة:

هذه السورة صاحبة الآية السابقة من سور القرآن المكية، فهي تصطبغ بالخصائص التي يتميز بها القرآن المكي عن غيره من المدني، سواء في موضوعها أم في طريقة العرض المتبعة، فموضوع السورة العام هو تجلية حقيقة الألوهية وحشد الأدلة عليها، وفي مقابل ذلك نجد العبودية التي هي حق لله على العباد لما أصبغ عليهم من نعمه الظاهرة والباطنة.

وفي نفس سياق تقرير الألوهية، نجد السورة تتحدث عن القرآن، بفرضه كلام رب العالمين، الذي أنزل إلى الخلق أجمعين، وكذلك تثبت السورة من خلال حديثها عن الوحي أن هذا القرآن هو كلام الله تعالى، ما كان ينبغي لأحد أن يأتي بمثله، وما كان ينبغي للرسول أن يفتريه، والآية التي نحن بصددها هي من هذا السياق، سياق الحديث عن القرآن، عن كتاب اللهِ. وهذا ما نلحظه في مستهل السورة: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الر تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)} وفي مختتمها: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)} وبين الآيتين حديث شيق يروي الظمآن، ويشفي الغليل، ويثبت في نفس الشاك اليقين، أن هذا القرآن أعظم من أن يقدر على الإتيان بمثله بشر مخلوق.

" يَآ أَيُّهَا النَّاسُ " نداء العالمَيََّة، وهذا مما اختص به دين الإسلام على سائر الأديان، وكذلك كتابه المنزل والمهيمن على الكتب قبله، وليس في الآية ما يشير إلى أن الحديث يخص المكذبين بالقرآن أو المؤمنين به، فهو يخاطبهم على السواء، فيبسط القول عن القرآن كما أشرنا آنفا في المقدمة أن من مواضيع السورة الحديث عن القرآن الكريم ونفي الإفتراء عنهن ومحاججة المشركين في الإتيان بمثله، فيذكر أربع صفات لهذا الكتاب.

الوصف الأوَّل: "قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ " "موعظة" وقد تكرر هذا الَّلفظ في القرآن الكريم تسعَ مرات، جاء ذكرها في سياقات مختلفة، منها ذكر سنن الله في الذين سبقوا، ومنها ذكر ما في الكتب المنزلة من قبل القرآن، وما الموعظة إلاَّ النُّصْح والتذْكير بالعَواقِب [1] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn1)، وهي الكلامُ فيه نصحٌ وتحذيرٌ ممَّا يضرُّ، وكلُّ هذه المعاني مكتنفة في القرآن فهو الموعظة الحقَّة كما جاء في الآية.

الوصف الثَّاني: "وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ" ولفظة "شفاء" التي وردت أربعَ مرات في القرآن، واحدة منها جاءت في الحديث عن الشَّراب الذي "فيه شفاء للناس" الشراب الذي ينتجه مخلوق ضعيف من مخلوقات الله تعالى، ولكنه بديع في تنظيمه، بديع في طريقة عمله، معجز في طريقة حمايته نفسه، وأخيرا معجز في ما ينتجه للناس من عسل وشهد، دواء لكثير من الأدواء التي استعصت على الطب فسبحان الله الخالق، وفي ذكر الشِّفاء تشبيه ضمنيٌّ للقرآن بالعسل، فللأوَّل قدرةٌ على شفاء الأدواء القلبية وحتَّى العضوية، أمَّا الثاني فلا يشفي سوى بعض الأمراض العضويَّة. وفي المواضع الثلاثة الباقية كان الموصوف بالشفاء هو القرآن، في مناسبتين اختص لفظ الشفاء بالمؤمنين، وفي مناسبة واحدة جاء لفظا عاما لكل الناس وهي الواقعة في آية سورة سيدنا يونس، والظاهر أن الشفاء منزل لكل الناس ولكن لا يستفيد منه ولا يظهر إلَّا عند الذين آمنوا به، فعملوا بتوجيهاته، فسياق الآية جاء في سبيل إقامة الحجَّة على كلِّ النَّاس، وتقرير ما لهذا القرآن من قدرات. "لما في الصدور" وليس في الصدور سوى القلوب، وأعظم ما يفتك بالقلوب ويقتلها الشرك بالله والشك في وجوده، ومن كان في قلبه شيء من ذلك المرض، فننصحه بمداومة قراءة القرآن والتفكر فيه، فهو الكفيل بتخليصه من داء الأدواء. فإن عالج القرآن الشرك فهو بالأدواء الأخرى أقدر، يعالج الكبر والحقد والغضب واليأس والقائمة طويلة، والنَّماذج معروضة أمامنا على طاولة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير