تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[المناسبة الصوتية في اللفظة القرآنية]

ـ[المستصفى]ــــــــ[10 Aug 2010, 02:02 ص]ـ

د/ عبد القادر مغدير

مقدمة:

إن اللفظة القرآنية كائن حي؛ تستمد حياتها وهويتها وقوتها من الأصوات التي تتألف منها، ومن السياق الذي ترد فيه. إن العلاقة بين اللفظة وأصواتها، ومن ثم بين اللفظة والسياق علاقة جدلية؛ ذلك أن الدلالة الكلية للسياق لا تتحدد إلا بدلالة الألفاظ المكونة له، فاللفظة بدلالاتها السياقية المتنوعة تضفي على السياق ظلالا مختلفة تكسبه تنوعا دلاليا.

إن الإعجاز اللغوي في النص القرآني حقيقة لا مراء فيها؛ يلمسها كل من جال بين دفتيه، وأعمل الفكر في آياته، إن إعجازه غير محدود، فالقرآن بحر زاخر، بل محيط واسع لا تنقضي أسراره، ولا تنتهي عجائبه، ولقد أراد الله له أن يكون صالحا لكل زمان ومكان، وهذا يقتضي أن يقع أهل كل عصر على خبايا وخفايا لم ينتبه إليها من سبقهم، ويجدوا فيه حلولا لمشاكلهم الآنية، فالقرآن الكريم كلي في آياته، مرن في أحكامه، خصب في دلالاته، عجيب في بنائه، مبدع في تناغمه، معجز في تناسقه.

لقد طرقه قدماء علماء التفسير من زوايا شتى، وجوانب مختلفة، وحاولوا أن يسبروا غوره ليصلوا إلى عمقه، فشغلهم ترامي أطرافه عن بلوغ كنهه، فلم يظفروا منه إلا بالشيء القليل، والنزر اليسير، وسيبقى جهدهم متواصلا، وعملهم متواليا، ولا يزال القرآن معينا لا ينضب، وسيلا لا ينقطع، وكنزا لا يفنى، كلما تقدم في دراسته الدارسون شعروا أنهم لم يأخذوا منه إلا ما يأخذه المخيط إذا أغمس في البحر.

مفهوم المناسبة الصوتية:

الأصل في اللغة أن المناسبة تعني: "المشاكلة والمقاربة"، وإن العلماء المهتمين بالدراسات القرآنية تناولوا هذا المصطلح للدلالة على ما يأتي:

ـ مناسبة الآي والسور: علم يكشف عن الترابط اللفظي والمعنوي بين آي القرآن و سوره [1] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn1)، للوصول إلى أن القرآن الكريم بناء فكري و لغوي متكامل وشامل، وأنه يشكل وحدة نسقية، وهو علم من أجل علوم القرآن، وقد كتب فيه نزر يسير، وذلك لصعوبة خوضه ودقة مسلكه [2] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn2)، ويرى الزركشي أن المناسبة بين آي القرآن متوفرة: "ومرجعها ـ والله أعلم ـ إلى معنى رابط بينهما عام وخاص، عقلي أو حسي أو خيالي، وغير ذلك من أنواع العلاقات أو التلازم الذهني، كالسبب بالمسبب، والعلة بالمعلول، والنظيرين والضدين ونحوه، أو التلازم الخارجي كالمرتب على ترتيب الوجود الواقع في باب الخبر" [3] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn3). ولعل أول من تكلم في هذا العلم هو أبو بكر النيسابوري المتوفى سنة 324 هـ/935 م، أما أول من ألف فيه فهو أبو جعفر بن الزبير صاحب كتاب: "البرهان في مناسبة ترتيب سور القرآن" [4] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn4) ، والمتوفى سنة 807 هـ، ويعد فخر الدين الرازي ممن أكثر منه [5] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn5)، وقال في تفسيره: "أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط" [6] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn6).

ـ مناسبة الصوت للمعنى: أي أن اللفظة تتألف من أصوات تدل على معناها، وهو ما يعرف عند المحدثين بالقيمة الدلالية للصوت [7] ( http://www.odabasham.net/show.php?sid=32056#_edn7)، وقد عرف عند الأقدمين بالمشاكلة، أو الحكاية الصوتية، وقد أشار ابن جني إلى هذه الظاهرة في مواطن عدة من كتابه الخصائص، وأفرد لها بابين:

ـ بابا أسماه (تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني)، أي تعاقب الألفاظ لتعاقب المعاني، وقال فيه: "هذا غَوْرٌ من العربية لا ينتصف منه، ولا يكاد يحاط به، وأكثر كلام العربعليه، وإن كان غُفلاً مسهواً عنه"، ثم قال: "أما مقابلة الألفاظ بما يشاكل أصواتها من الأحداث فباب عظيم واسع، ونهج ملتئب عند عارفيه مأموم، وذلك أنهم كثيراً ما يجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبَّر بها عنها، فيعدلونها بها ويحتذون عليها، وهذا أكثر مما نقدره، وأضعاف ما نستشعره، فمن ذلك قولهم: (خَضَمَ، وقَضَمَ)، فالخضم لأكل الرَّطِب ... ، والقضم لأكل الصلب اليابس ... ، فاختاروا (الخاء) لرخاوتها للرطب، و (القاف) لصلابتها لليابس، حذواً لمسموع

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير