[تأويل تنويري عصري ,, لآية محكمة!]
ـ[عمر جمال النشيواتي]ــــــــ[25 Aug 2010, 02:46 ص]ـ
على قناة اسلامية محافظة! , وفي برنامج فكري حواري صريح كما يدعون , من أكثر البرامج متابعة كما تشير الاستفتاءات , تداخلت مفكرة عصرية تنويرية! تتحدث عن حرية الرأي وأهميته في بناء الفكر وتقويمة, والرقي بالمجتمعات ,, وحذرت من خطورة اقصاء الرأي الآخر ومصادرة آراء الآخرين .. ثم ادعت جهلاً وخطأً أن المجتمع النبوي كان يتيح المجال لكل الأراء والأفكار والتيارات ,من المنافقين وغيرهم ويفسح المجال لهم لينشروا أفكارهم ويعبروا عن آرائهم.
لا جديد في ماقالت فقد ملت أسماعنا هذا الموال , وقد أحسن أهل العلم الرد على مثل هذه الشبهات ومن أجود وأنفس ماقرأت في هذا مقالة للكاتب الموفق إبراهيم السكران بعنوان شبهة حرية المنافقين على الرابط التالي: http://www.almokhtsar.com/news.php?action=show&id=131135 .
لكن الجديد الذي سمعته منها ومن غيرها ,آية أوردتها في سياق حديثها تستشهد بها على صحة قولها, والتي أدهشتني حقاً, وهو استشهاد ربما يبدوا حقا وصوابا لأول وهلة , لكن من تأمل هذه الآية و علم تفسيرها وسياقها في كتاب الله علم بطلان قولها, بل إننا إذا أخذنا بلازم قولها فإنه ربما يصل بها إلى الكفر عياذا بالله , ولانكفرها قطعا لجهلها وعدم فهمها ولتأويلها الفاسد.
يزداد حزنك وعجبك ليس منها فقط , بل من مقدم البرنامج , والضيف والمداخلين بعدها, وكلهم ممن نحسبهم من أهل الإصلاح والصلاح ,إذ لم يصحح لها أحد وتُركت بلا تعليق , ولا يجوز تأخير بيان الحق ورد الباطل عند الحاجة كما هو مقرر ومعلوم.
تلك الآية التي ذكرت هي قوله تعالى على لسان رسوله مخاطبا المشركين: "وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ" سبأ 24
أوردتها تريد أن تثبت بها حرية الرأي التي قام عليها المجتمع الإسلامي الأول , و أن الرسول صلى الله عليه وسلم -وحاشاه- عرض رأيه عليهم وخيرهم , وقال لهم بعد ذلك ربما أكون محقا أومخطأ , وأنتم كذلك ربما تكونوا على على صواب أوعلى خطأ! ثم تثني على نزاهته ورقيه في استيعاب الآخرين وفتح المجال لهم , وعدم مصادرة آرائهم.
ولا شك أن استشهادها بهذه الآية خطأ كبير وجهل مركب, إذ كيف يصح أن نستنبط من هذه الآية أن الرسول صلى الله عليه وسلم يثبت بها أنه لايدعي احتكار الحق والصواب , وأنه يعرض ماعنده ثم يخيرهم- على وجه الحقيقة وليس من باب الاستعطاف واستثارة تفكيرهم- بين أين أن يستجيبوا له أو يتركوا قوله , إذ ربما يكونوا هم على الحق ,وجعلت هذه الآية على نسق القاعدة المشهورة في أدب الخلاف "رأي صواب يحتمل الخطأ ورأي مخالفي خطأ يحتمل الصواب " وليس في الآية مايدل على ذلك , وليس فيها مايدل على أنه فتح المجال لهم لينشروا دينهم وعقيدتهم, ولم يفهمها أحد على هذا الوجه ممن له علم كتاب الله تعالى و لغة العرب.
لا أريد أن أناقش في هذه الورقة صحة هذه الدعوى من بطلانها , ولا نسبيتها ,و لا أريد التطرق إلى موضوع الحوار مع المخالف وضوابطه وحدوده , ولا أريد التحدث عن حرية الرأي ,,, إنما كتبت أريد تبيين معنى هذه الآية وسياقها , منزها كتاب الله عن أن يحمّل مالا يحتمل من المعاني والاستنباطات ,ومستحثا النفوس على فهم كتاب الله تعالى والقراءة في تفسيره ومعانيه , ونشر معانيه وتبليغها, حتى يكون كتاب هدى لا سبب ضلالة وغواية عياذا بالله تعالى,
ولبيان المعنى الصحيح لهذه الآية رجعت إلى عشرات الكتب من أمهات كتب التفسير ولم أجد فيها إلا معنى واحدا اتفقت عليه كلها إلا الماوردي ذكر القول المشهور كما سيأتي ثم نقل قولا مغايرا حكاه النقاش فقال معناه:الله رزقنا وإياكم لعلى هدى كنا أو في ضلال مبين.
هذه الآية جاءت في سياق محاجة المشركين , واثبات أن الله هوالمستحق للعبادة وحده لأنه هوالرزاق سبحانه حيث قال على لسان رسوله محاجا لهم:" قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ ".
¥