[من تجليات المثل القرآني من خلال آية النور]
ـ[محمد عز الدين المعيار]ــــــــ[28 Jul 2010, 03:55 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نور السموات و الأرض أزاح الستار عن الحقائق في كتابه المبين، بضرب الأمثال، في أساليب بديعة المثال، جلى بها الحق و عرى الباطل، فأنار قلوب عباده المومنين، و أقام الحجة على أهل الزيغ و الضلال المبين.
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد خير الأنام، و على آله و صحبه الكرام، إلى يوم القيام
أما بعد، فإن المثل معلم بارز من معالم القرآن الكريم، و أسلوب رائع من أسلوب هدايته، له في النفوس أثر عجيب، و على القلوب سلطان عظيم، في إيجاز معجز، لا إخلال فيه بالمعاني و لا تعقيد، فكان سلاحا فعالا في التوجيه و الإرشاد، بل بلسما و شفاء، إذا استعمل بأمانة و إخلاص، داخل داخل تعاليم الدين الحنيف، و لمصلحة عباد الله دنيا و أخرى ...
هذا الموضوع سأتناوله بحول الله من خلال:
ـ مقدمة أضعها بين الآية
ـ تفسير آية النور و إبراز إشعاعاتها
ـ خاتمة في تجليات المثل القرآني
راجيا من إخواني إغناء هذا الموضوع بما يفتح الله به عليهم من علم و فهم
والله من وراء القصد / و الله ولي التوفيق
ـ[سمر الأرناؤوط]ــــــــ[28 Jul 2010, 09:22 ص]ـ
شكر الله لك أخي الفاضل محمد على هذه المشاركة وبانتظار ما تتفضل به علينا.
ـ[محمد عز الدين المعيار]ــــــــ[28 Jul 2010, 06:22 م]ـ
الحلقة الأولى: بين يدي الأية
قال الله تعالى: {اللَهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاة فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ} النور: 35
تنتمي هذه الآية الكريمة إلى سورة النور المدنية و هي أربع و ستون آية، اسمها مأخوذ من الآية الخامسة و الثلاثين منطلق هذه المشاركة
تأتي قبلها في ترتيب المصحف سورة (المومنون)، و وجه المناسبة بين السورتين أنه سبحانه لما قال: {والذين هم لفروجهم حافظون (5) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين
(6) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} استدعى الكلام بيان حكم العادين، و لم يوضح في سورة (المومنون) فأوضحه الله عز و جل في سورة النور، فذكر فيها من الأحكام و التشريعات و الآداب، ما من شأنه أن يصون أعراض الناس، و يحمي المجتمع من الفساد و الانحراف، و وسطها بذكر النور الذي هو مصدر كل خير و صلاح، فضرب المثل ـ أولاـ لنور الطاعة و الإيمان، ثم لظلمات الكفر و العصيان، منوها ببيوت العبادة، و بالقائمين فيها، مذكرا بعظمة الحق المتعال، و بدائع صنعته، و سوابغ نعمه، و ما أعده لعباده المومنين من استخلاف و تمكين.
في هذا السياق، جاءت آية النور متلألئة مشرقة، فتبارك الله أحسن القائلين، و أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات و الروابط ـ كما قال الفخر الرازي في تفسيره ـ و لهذا كانت إشعاعات أمثال القرآن، لا تتجلى كاملة و بدقة تامة، إلا بالنظر إليها في المكان الذي أنزلت فيه من سور القرآن العظيم.
يتبع
ـ[محمد عز الدين المعيار]ــــــــ[28 Jul 2010, 08:51 م]ـ
الحلقة الأولى: بين يدي الآية ـ تتمة
تعتبر الآية الرابعة و الثلاثون، طالع القسم الثاني من سورة النور، وكما افتتح القسم الأول منها بقول الله تعالى: {سورة أنزلناهاو فرضناها و أنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون} فكذلك ابتدأ القسم الثاني بآية شبيهة بالأولى، حتى كان ذلك بمثابة رد العجز على الصدر وهي قوله تعالى: {و لقد أنزلنا إليكم آيات مبينات و مثلا من الذين خلوا من قبلكم و موعظة للمتقين} و تم فيها العدول عن الفصل إلى العطف، لأن هذه نهاية الأحكام و التشريعات، التي نزلت السورة لأجلها ...
و لآية النور بالذات جاذبية خاصة، استهوت إلى جانب المفسرين، عددا من العلماء و الحكماء و أهل الذوق قديما و حديثا، فألفوا فيها مصنفات مفردة كصنيع أبي حامد الغزالي في مشكاة الأنوار، بعد أن خصوا سورة النور كاملة بتفاسير مستقلة ـ لا يتسع المجال لذكرها ـ كما أقاموا على الآية تصورات و أبحاثا شتى، لم يسلم بعضها من الشطط ...
و الواقع أن المفسرين و الدارسين، و قفوا إزاء آية النور، ما بين متهيب رآها غاية في الدقة و الجلال، فالتزم الحيطة و الأدب، خشية الوقوع في الزلل، و رام تنزيه الله سبحانه عن النظير {ليس كمثله شيء و هو السميع البصير} و بين مقتحم، بالغ في التأويل، و تجرأ في المقارنة و التحليل، فابتعد ـ للأسف ـ عن غاية التنزيل.
و الحق أن سبيل المتهيبين، هو الاختيار المصيب، لأنهم تحاشوا في هذا المقام الجرأة في التأويل، و اختاروا اعتماد ما يستفاد من أصل العقيدة و روح الدين، وفق ما جاء في الذكر الحكيم، و سنة النبي الكريم، مستأنسين في ذلك بما جاء من تفسير عن خير القرون،و بما نطق به العرب الأقحاح، مما يوافق استعمال القرآن و يجاريه.
¥