أما المأمون فكان رجلا عادلا , ابنه يظلم فيقتص منه , بل يكف أصحاب النفاق الذين يداهنون الحكام والأمراء بالباطل وبغير حق.
وأما الصفة الثالثة فكانت الشجاعة والإقدام , وما أحلى الحديث عن شجاعة هذا الخليفة وإقدامه في وقت لا شجاعة فيه ولا إقدام , عمّ الجبن وساد الذل ولبسنا ثوب العار.
في العام الذي توفى فيه المأمون في سنة مائتين وثمانية عشر خرج يريد أن يغزوَ بلاد الروم , بلاد الإفرنجة التي نتطلع إليها ونتمسح فيها , وأصبح جُلُّ توجهنا إلى حكامها.
خرج المأمون يريد أن يغزوَ بلاد الروم وفيها أسرى للمسلمين يريد أن يستخلصهم , فيها كفر بالله يريد أن يمحوَه , وهذا من أولى واجبات الحاكم المسلم التي سيسأل عنها بين يدي الله عز وجل , فلما دنا من بلاد الروم أرسل إليه ملك الروم رسولا يحمل له رسالة يقول له أخيرك بين أن أرسل إليك مالا أعوضك به الطريق الذي قطعته من بلدك إلى هنا , أو أن أرسل إليك أسرى المسلمين كل أسير من المسلمين عندنا بلا مال ولا فداء , أو أن أُعَمِّر لك كل بلد مسلم خربه النصارى على أن تأخذ جيشك وتعود.
(إقرؤا هذه الواقعة يا رعاكم الله في مروج الذهب للمسعوديّ في الجزء الرابع وهو يتحدث عن خلافة المأمون , والوقائع التي حدثت في عصره) , بالله عليك ماذا يريد القائد بعد هذه العروض المغرية , وقبل أن نورد رد المأمون على رسول ملك الروم نسرع بالزمن قرونا حتى نصل إلى حكام ورؤساء وملوك البلاد في هذا العصر , أصحاب الفخامة , أصحاب العظمة (والعظمة لله) , أصحاب السموّ ... الخ , ماذا فعلوا ونيتنياهو يخرب بيوتنا , ويحرق مساجدنا , ويقتل أبناءنا , وينتهك أعراضنا , ومع هذا فنحن الذين نساومه , سنطبع معك العلاقات , ونفتح لك السفارات , ونتبادل معك التجارة , ونعطيك كذا وكذا ولكن ارحمنا , أرأيت مثل هذا الذل والعار في حياتك؟
مؤتمرات , إجتماعات , عشرات الدول , أصحاب الفخامة والعظمة والسموّ , يجتمعون باسم العروبة والإسلام , يجلسون ويقومون , ويا ليتهم ما جلسوا , فقد أورثونا وغل الصدر , ومزيدا من الذل والعار , وكأنهم يقولون لنتنياهو افعل ما يحلو لك , فنحن أموات غير أحياء , أقتل .. دمر .. اغتصب .. حرِّق .. اسجن .. نحن أموات غير أحياء , لو حرقت مساجدنا فلن نحارب , لو قتلت فلذات أكبادنا فلن نحارب , لو اغتصبت نساءنا فلن نحارب , لو اغتلت خيرة شبابنا فلن نحارب , نحن أموات غير أحياء , والموت أشرف لهم وأكرم.
ماذا كانت الإجابة؟ يقدم له أمورا ميسرة يختار منها ما يشاء
فماذا كانت الإجابة؟ ليتعلم حكام المسلمين , وليسمع كل مسلم , ليس من واجب الحاكم فقط توفير لقمة العيش , وإنما واجبه أن يرفع الأمة الإسلامية فوق عرش من عز وكرامة , أما الذل الذي نحن فيه فلا يعادله ذل , أبناؤنا يقتلون ويذبحون , وأعراضنا تنتهك , ونساؤنا تستغيث وتقول حسبنا الله ونعم الوكيل , وحكامنا أعمى الله أبصارهم وأصم آذانهم يجلس احدهم فيسأل عن إغلاق معبر رفح فيقول بوجه قبيح " لابد من استئذان إسرائيل قبل فتح المعبر " أَيُّ خيانة هذه؟.
ماذا كانت الإجابة؟ قال المأمون لرسول ملك الروم انتظر , ثم دخل إلى خيمته وصلى ركعتين واستخار ربه-ما أرسل ليأخذ رأي أوباما ولا هيئة الأمم ولا مجلس الأمن حتى يملوا عليه التعليمات , بل دخل ليستخير ربه وخالقه , ثم خرج فقال له اذهب إلى مليككم وقل له قد عرضت عليّ مالا تعوضني ما أنفقته في الطريق وقد سمعت الله سبحانه وتعالى يقول على لسان بلقيس ملكة سبأ " وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بمّ يرجع المرسلون , فلما جاء سليمان قال أتمدوننِ بمالٍ فما آتانيَ الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون ... -فالخيار الأول مرفوض- ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون "
أما قوله سأرسل إليك كل أسير من المسلمين فإن أسارى المسلمين بين رجلين رجل اشترى الله ورسوله والدار الآخرة فأصاب ما أراد , ورجل يريد الحياة الدنيا فهذا لا نريده لا فك الله أسره.
فالعرض الثاني أيضا مرفوض , بقى العرض الثالث أن يعمر له كل بلد خربه الصليبيون , فقال له وقل له والله لو أني اقتعلت أقصى حجر في بلاد الروم-أي دمرت بلاد الروم بلدا بلدا وخلعت حجرها حجرا حجرا حتى بلغت أقصى حجر فيها- فإن ذلك لا يعوض عثرة تعثرتها امرأة مسلمة وهي أسيرة في أيديكم فقالت وامحمداه , عد إليه فوالله ما بيننا وبينكم إلا القتال.
سمعت الرد يا رعاك الله.
نساء تغتصب أعراضهن , وتمزق أجسادهن , وتخرج أحشاؤهن , ما الذي نريده وما الذي يعوضنا عن هذا , والله لو اقتلعنا إسرائيل حجرا حجرا وقتلناهم فردا فردا ما عوضنا ذلك عن عرض امرأة قد انتهك عرضها فهي تقول وا غوثاه وا محمداه وا معتصماه , فهي تقول حسبي الله ونعم الوكيل في المسلمين وحكامهم.
قام المأمون وسار في طريقه واقتحم بلاد الروم واستولى على خمسة عشر حصنا , ثم وافته المنية فلاقى ربه , وجاء أخوه المعتصم بالله ليكمل طريقه , وأنتم تعلمون من المعتصم الذي نادته امرأة قالت وا معتصماه فقال لبيك أختاه , وانتقل وقطع بلادا ليصل إليها فينصرها.
واليوم تنادي أختنا المسلمة وا إسلاماه وا حكام المسلمين , ولكنهم
أموات غير أحياء.
وقف العالم يوما يشجع الأبطال في جنين , أبطال شرفونا وشباب رفعوا رؤوسنا , ولما نفذ سلاحهم ماذا يفعلون , تمكن منهم الكلب شارون ءانذاك فجزرهم وأحدث مذبحة من أبشع مذابح التاريخ , يا للعار , والحكام يشجبون ويستنكرون , إنهم
أموات غير أحياء.
اللهم إنا نشكو إليك ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس , يا رب المستضعفين , أنت ربنا فانصرنا على القوم الكافرين
آمين
في الختام أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخوكم