حين يتدبر قارئ القرآن كيف وصف الله القرآن بأنه هدى وبينات ونور فإنه يستنتج من ذلك مباشرة بأن مراد الله من عباده في القرآن ليس لغزاً .. هل يمكن أن يكون الله تعالى يعظم ويمنح الأولوية لتلك القضايا التي ترددها الخطابات الفكرية ثم يكرر في القرآن غير ذلك؟! هل القرآن يضلل الناس عن مراد الله؟! شرّف الله القرآن عن ذلك، ولذلك كان الامام ابن تيمية يقول (وما قصد به هدى عاماً كالقرآن، الذي أنزله الله بياناً للناس، يذكر فيه من الادلة ما ينتفع به الناس عامة). [الفتاوى، 9/ 211]
وهذا لا يعني أن الأئمة الربانيين لا يختصهم الله بمزيد فهم للقرآن، وتتكشف لهم دلالات وأسرار لا تنكشف لغيرهم من الناس، فالقلب المعمور بالتقوى يبصر ما لا يبصره من أغطشت عينه النزوات، نسأل الله أن يسبل علينا ستر عفوه، وقد أشار الإمام ابن تيمية لذلك في مواضع كثيرة من كتبه، كقوله (ومن المعلوم أنه في تفاصيل آيات القرآن من العلم والإيمان ما يتفاضل الناس فيه تفاضلاً لا ينضبط لنا، والقرآن الذي يقرأه الناس بالليل والنهار يتفاضلون في فهمه تفاضلاً عظيماً، وقد رفع الله بعض الناس على بعض درجات) [درء التعارض].
ومن أعظم مفاتيح الانتفاع بالقرآن –أيضاً- أن يستحضر متدبر القرآن أن جمهور قرارات القرآن وأحكامه على الأعيان والأشياء إنما هي (أمثال)، ومعنى كونها أمثال أي (يعتبر بها ما كان من جنسها) بمعنى أن القرآن يقدم في الأصل نماذج لا خصوصيات أعيان، وقد أشار القرآن لذلك كثيراً كقوله تعالى في سورة الحشر (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، وقوله في سورة الروم (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ).
فماذا يريد الله في مطاوي هذه الأمثلة القرآنية؟ هذا أفق واسع للتدبر ..
لا شك أن تنبيهات القرآن على مركزية (تدبر القرآن) في صحة المنهج والطريق أنها دافع عظيم للتدبر .. لكن ثمة أمراً آخر على الوجه المقابل لهذه القضية .. معنى منذ أن يتأمله الإنسان يرتفع لديه منسوب القلق قطعاً .. وهو أن من أعرض عن تدبر القرآن فإن الله قدر عليه أصلاً ذلك الانصراف لأن الله تعالى سبق في علمه أن هذا الإنسان لا خير فيه، ولو كان في هذا المعرض خير لوفقه الله للتدبر والانتفاع بالقرآن، وقد شرح القرآن هذا المعنى في قوله تعالى (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنفال، 23].
كلما رأى الإنسان نفسه معرضاً عن تدبر القرآن، أومعرضاًَ عن بعض معاني القرآن، ثم تذكر قوله تعالى (ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم) يجف ريقه من الهلع لا محالة ..
على أية حال .. رمضان على الأبواب .. وهذا موسم القرآن ولكل شئ موسم .. (والقرآن مورد يرده الخلق كلهم، وكل ينال منه على مقدار ما قسم الله له) [درء التعارض].
ابوعمر
شعبان 1431هـ
المصدر ( http://groups.google.com/group/azizkasem/browse_thread/thread/41828659f49ce17c)
ـ[سمر الأرناؤوط]ــــــــ[10 Aug 2010, 09:46 ص]ـ
بارك الله في الكاتب وفي الناقل، مقالة رائعة مميزة جزاكم الله خيراً.
ومما أفكر فيه دائماً في الربط بين رمضان والقرآن هو كأن الله تعالى كتب علينا الصيام في هذا الشهر شكراً له تعالى على إنزال القرآن الكريم، فالصيام (صيام القلوب والأرواح والجوارح لا صيام البطون) من أجلّ العبادات التي يرتقي فيها المسلم بروحه إلى السموات السبع وكأنها معراجه الخاص ليتلقى القرآن بطريقة تختلف عن تلقيه إياه في سائر الشهور والأيام لذا نجد الصائمين يجدون في مدارسة القرآن في رمضان ما لا يجدوه في غيره.
فسبحان الله والحمد لله على هذه النعمة العظيمة، نعمة الإسلام ونعمة القرآن العظيم.
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[10 Aug 2010, 07:18 م]ـ
سبقتني إلى عرض هذه المقالة الرائقة المفيدة ..
جعلك الله من السابقين.
ـ[حاتم القرشي]ــــــــ[11 Aug 2010, 03:50 م]ـ
سبقتني إلى عرض هذه المقالة الرائقة المفيدة ..
جعلك الله من السابقين.
عزيزي أبا إبراهيم إنْ سبقتُكم مرةً فقد سبقتَني كثيراً، فأنت إلى الخير سبَّاقٌ، أدامك الله على طاعته.