ـ[تيسير الغول]ــــــــ[12 Aug 2010, 04:27 ص]ـ
أكرمك الله بالجنة يا أبا عبدالرحمن وتقبَّل منك وجزاك خيراً. (ذلكَ ما كُنَّا نَبغِ)
لا أجد فيما ذكر الدكتور دراز حرجاً في استخدام العبارة، فعبارة (فَرْطِ) معناها هنا: شدة إيجازها، وليست من الإفراط. واقتراحك مقبول أيضاً.`
فرْط بمعنى شدة الإيجاز نعم هذا ما قصده الدكتور في استخدامها. ولكن كلمة فرط لا تخرج من حيّز الإفراط ومعناه وقد راجعت ذلك لغة فلم أجد أن من معانيها الخاصة شدة الإيجاز:
في الصحاح في اللغة: فَرَطَ في الأمر يَفْرُطُ فَرْطاً، أي قصَّر فيه وضيَّعه حتَّى فات. وكذلك التَفْريطُ. وفَرَطَ عليه، أي عَجِلَ وعَدا. ومنه قوله تعالى: " إنَّا نخافُ أن يَفْرُطَ عَلَيْنا أو أنْ يَطْغى ". وفَرَطَ إليه منِّي قولٌ، أي سبق. وفَرَطْتُ القوم أفْرُطُهُمْ فَرْطاً، أي سبقتهم إلى الماء، فأنا فارِطٌ، والجمع فرَّاطٌ. قال القُطاميٌّ:
فاسْتَعْجلونا وكانوا من صحابَتِنا ... كما تَعَجَّلَ فُرَّاطٌ لِوُرَّادِ
وفُرَّاطُ القطا: متقدِّماتها إلى الوادي والماء. وأفْرَطَهُ، أي أعجله. وأفْرَطَتِ السحابةُ بالوَسْمِيِّ، أي عجَّلت به. وأفْرَطَتِ المرأةُ أولاداً: قدَّمتهم. وأفْرَطْتُ المرادةَ: ملأتها. يقال: غديرٌ مُفْرَطٌ، أي ملآن.
قال الكسائي: يقال ما أفْرَطْتُ من القوم أحداً، أي ما تركت. قال: ومنه قوله تعالى: " وأنَّهم مُفْرَطونَ "، أي متروكون في النار منسِيُّونَ. وأفْرَطَ في الأمر، أي جاوز فيه الحدّ. والاسمُ منه الفَرْطُ بالتسكين. يقال: إيَّاك والفَرْطَ في الأمر. وقولهم: لقيته في الفَرْطِ بعد الفَرْطِ، أي الحينَ بعد الحين. وأتيته فَرْطَ يومٍ أو يومين.
في الحقيقة أنا أعيب عليه جداً استخدام هذه الكلمة التي لا تليق وإن الإشارة اليها ليس من نافلة القول لما فيها من تجريح لآيات الله تعالى. وبارك الله بكم دكتور عبد الرحمن وقد تعلمنا من مشايخنا أن لا نجامل بآيات الله وقرآنه.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[11 Sep 2010, 07:50 ص]ـ
أخي الحبيب تيسير: دفعني اعتراضك للتحقق من فصاحة هذا الاستخدام للفظة في هذا المعنى، فوجدته أسلوباً معرقاً في العربية، استخدمه الشعراء والناثرون كثيراً، وهم المستند الذي يستقي منه أهل المعاجم لا العكس.
ومن ذلك قول الشاعر الجاهلي بشر بن أبي خازم:
لِمَنِ الدِّيارُ غَشِيَتُها بالأَنْعُمِ ... تَبْدُو مَعارِفُها كلَوْنِ الأَرْقَمِ
لَعِبَتْ بها رِيحُ الصَّبا فَتَنَكرَتْ ... إِلاَّ بَقِيَّةَ نُؤْيِها المُتهَدَّمِ
دَارٌ لِبَيْضاءِ العَوَارضِ طَفْلَةٍ ... مَهْضُومةِ الكَشْحَيْنِ رَيَّا المِعْصَمِ
سَمِعَتْ بِنا قِيلَ الوُشَاةِ فأَصْبَحَتْ ... صَرَمْتَ حِبالَكَ في الخَلِيطِ المُشْئِمِ
فَظَللتَ من فَرْطِ الصَّبابةِ والهَوَى ... طَرِفاً فُؤَادُكَ مثلَ فِعْل الأَيْهَمِ
وقول الفرزدق في قصيدته الفائية المشهورة:
تراهنَّ من فرطِ الحياءِ كأنَّها ... مراضُ سلالٍ أو هوالكُ نزَّفُ
قال العجاج بن رؤية:
يَا صَاحِ، هَلْ تَعْرِفُ رَسْمًا مُكْرَسَا? ... قَالَ: نَعَمْ! أَعْرِفُهُ! وَأَبْلَسَا
وَانْحَلَبَتْ عَيْنَاهُ مِنْ فَرْطِ الأَسَى
وقال عدي بن زيد العبادي الجاهلي:
وإياك من فرط المزاح فإنه ... جدير بتسفيه الحليم المسدد
وقال أبو حية النميري:
وقفتُ كأني من وراءِ زجاجةٍ ... إلى الدارِ من فَرْطِ الصبابةِ أَنْظُرُ
فعينايَ طَوْراً تغرقانِ من البكا ... فأعْشَى وطوراً تَحْسِرانِ فأبصرُ
وقال يزيد بن الطثرية:
تذكَّرتُ ذاتَ الخالِ مِنْ فرطِ حبِّها ... ضُحًى والقِلاصُ اليَعمُلاتُ بنا تخدِي
فما ملكتْ عينايَ حينَ ذكرتُها ... دموعَهما حتَّى انحدرنَ علَى خدِّي
فهو أسلوب مستخدم منذ الجاهلية حتى اليوم، وقد بحثت في المكتبة الشاملة فوجدته مستخدماً في كتب التفسير والحديث والأدب وغيرها للمعنى نفسه.
رحم الله محمد دراز، وجزاك الله خيراً على أن دفعتني للتحقق والمراجعة.
ـ[رصين الرصين]ــــــــ[11 Sep 2010, 09:54 ص]ـ
بعد التحية والمباركة بالعيد أقول
تحديد معنى لفظ ما في اللغة لا يكفي فيه المعنى المعجمي؛ فثمة ما يسمى (ظلال المعاني) وثمة ما يسمى (القالب اللغوي) ورغم أن هذا الاستخدام - كما ساق الشيخ عبدالرحمن شواهده - معروف مألوف في اللغة، فإني أتفق مع أخي تيسير في أنه لا يجوز نسبته إلى كلام الله؛ لأن من ظلال المعاني في الفرط: الانملاص، والانفلات، والخروج عن السيطرة، وعدم القدرة على التحكم في الشيء. وأصل اشتقاقه من انفراط العقد (اللؤلؤ مثلا) وهو أمر لا إرادي كما هو واضح
وإذا كان يستحسن نسبة هذا إلى مشاعر الإنسان، فإنه لا يليق بكلام الله تبارك وتعالى؛ إذ لا تجري عليه أحاسيس البشر. ولاتتحرك ذرة في الكون إلا بأمره وإذنه تبارك وتعالى. وكان على الشيخ دراز رحمه الله أن يقول
" على شدة إيجازها "
¥