تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وجرى نحو ذلك لعدد من الصحابة؛ كتميم الداري، وابن مسعود، وأم سلمة، وغيرهم، رضي الله عنهم، ولجمع من التابعين؛ كسعيد بن جبير، والضحاك، وغيرهم. عن ابن مسعود أنه قال: لا تنثروه نثر الرمل، ولا تهذّوه هذّ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة. رواه البغوي.

ثالثاً: الخلوة: قطع الشواغل والمؤثرات الخارجية، يصفي الذهن، ويجمع الهم. لكن العزلة المطلقة ضرب من الرهبنة المذمومة، تفوت بها مصالح شخصية كثيرة، وتهدر بها مقاصد شرعية عامة. لذلك كان (المؤمن الذي يخالط الناس و يصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس و لا يصبر على أذاهم) رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجة، وصححه الألباني. وجمعاً بين المصالح ينبغي للمؤمن اللبيب أن يفرغ شيئاً من يومه أو ليلته، للنظر، والتفكر، والتأمل. وأعظم ما أجال فيه النظر كتاب الله؛ فإنه يفتح عليه في أوقات الصفاء، والفراغ من الشواغل، ما لا يفتح عليه في حالات الحركة، والضجيج. جاء في حديث بدء الوحي: (ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ) رواه البخاري

ومن عجيب ما يساق في فضل الخلوة في القرآن، ما قاله شيخ الإسلام، ابن تيمية، رحمه الله، حين سجن في قلعة دمشق: (قد فتح الله علي في هذا الحصن، في هذه المرة، من معاني القرآن، ومن أصول العلم بأشياء، كان كثير من العلماء يتمنونها، وندمت على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن) ذيل طبقات الحنابلة: 1/ 344

رابعاً: القيام به ناشئة الليل: قال تعالى: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا) [المزمل: 6]. قال ابن كثير، رحمه الله: (والمقصود أن قيام الليل، هو أشد مواطأة بين القلب واللسان، وأجمع على التلاوة؛ ولهذا قال: {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا} أي: أجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهمها من قيام النهار؛ لأنه وقت انتشار الناس ولَغَط الأصوات وأوقات المعاش) تفسير القرآن العظيم

لم يزل التهجد شعار الصالحين الذين (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [السجدة: 16]. وفي تلك المناسبة الحبيبة إلى قلوبهم، وقد صفوا أقدامهم في محاريبهم، وصوبوا أبصارهم إلى مواضع سجودهم، وقاموا مقام العبودية، يفيض الله عليهم من فتوحاته، وإلهاماته، ما لم يكن لهم بحسبان، وما لم يخطر من قبل بالأذهان.

ألا ما أحوجنا إلى القرآن العظيم، لنتدبره، ونتعظ به، ونستشفي به، ونستنبط منه الهدى، والرشاد، في أمورنا الخاصة، وهمومنا العامة. (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء: 9]. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

المصدر:العقيدة والحياة ( http://www.al-aqidah.com/?aid=show&uid=b7ic1nnf)

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير