فأين إذًا الجزيرة التي فيها الجساسة التي ذكرها تميم الداريّ للنبي صلى اله عليه وسلم من حديث مسلم؟
بعض الأماكن - و إن كانت في دنيانا هذه - سترها الله لحكمة بالغة فلا تراها العين المجردة و لا الأجهزة المعقدة حتى يحين وقتها.
و كذلك كما تفضل أخونا بذكر مسألة شرب يأجوج و مأجوج المياه، فأين هذا من التتر؟
قد يتسع الخرق على الراقع و تكبر المسألة من غير طائل، فالكفُّ أولى، بارك الله فيك.
و إذا أتى نهر الله بطل نهر معقل و أنا أحب لك ما أحبه لنفس من الخير.
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[08 Oct 2008, 07:01 م]ـ
أحسن ما يمكن قوله في هذه المسألة هو ما ذكره العلامة الشنقيطي، والذي تفضل بنقله الشيخ فهد الوهبي سابقا.
فقد اشتمل على جوابين لمن شكك في أمر يأجوج ومأجوج، أو في وقت خروجهما، الجواب الأول شرعي، والثاني عقلي.
وأنا هنا أعيد نقل ما أراه هو الشاهد والفصل في القضية، مع اختصار وتصرف يسيرين:
فإذا قيل إنما تدل الآيات المذكورة في الكهف و الأنبياء على مطلق اقتراب يوم القيامة من دك السد، واقترابه من يوم القيامة لا ينافي كونه قد وقع بالفعل.
فالجواب ـ هو ما قدمنا أن هذا البيان بهذه الآيات ليس وافياً بتمام الإيضاح إلا بضميمة السنة له، ولذلك ذكرنا أننا نتمم مثله من السنة لأنها مبينة للقرآن.
قال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه ... عن النواس بن سمعان قال:
ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل ...
وهذا الحديث الصحيح قد رأيت فيه تصريح النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله يوحي إلى عيسى بن مريم خروج يأجوج ومأجوج بعد قتله الدجال، فمن يدعي أنهم روسية وأن السد قد اندك منذ زمان فهو مخالف لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مخالفة صريحة لا وجه لها.
ولا شك أن كل خبر ناقض خبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فهو باطل لأن نقيض الخبر الصادق كاذب ضرورة كما هو معلوم، ولم يثبت في كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم شيء يعارض هذا الحديث الذي رأيت صحة سنده ووضوح دلالته على المقصود.
والعمدة في الحقيقة لمن ادعى أن يأجوج ومأجوج هم روسية ومن ادعى من الملحدين أنهم لا وجود لهم أصلاً ـ هي حجة عقلية في زعم صاحبها، وهي بحسب المقرر في الجدل: قياس استثنائي مركب من شرطية متصلة لزومية في زعم المستدل به يستثنى فيه نقيض التالي، فينتج نقيض المقدم.
وصورة نظمه أن يقول: لو كان يأجوج ومأجوج وراء السد إلى الآن لا طلع عليهم الناس لتطور طرق المواصلات، لكنهم لم يطلع عليهم أحد، (النتيجة): فهم ليسوا وراء السد إلى الآن.
لأن استثناء نقيض التالي ينتج نقيض المقدم كما هو معلوم.
وبعبارة أوضح -لغير المنطقي-: لأن نفي اللازم يقتضي نفي الملزوم.
هذا هو عمدة حجة المنكرين وجودهم إلى الآن وراء السد.
ومن المعلوم أن القياس الاستثنائي -المعروف بالشرطي- إذا كان مركباً من شرطية متصلة واستثنائية فإنه يتوجه عليه القدح من ثلاث وجهات:
الأولى ـ أن يقدح فيه من جهة شرطيته لكون الربط بين المقدم والتالي ليس صحيحاً.
الثانية ـ أن يقدح فيه من جهة استثنائيته.
الثالثة ـ أن يقدح فيه من جهتهما معا.
وهذا القياس المزعوم يقدح فيه من جهة شرطيته.
فيقول للمعترض: الربط فيه بين المقدم والتالي غير صحيح، فقولكم: (لو كانوا موجودين وراء السد إلى الآن لاطلع عليهم الناس)؛ غير صحيح لإمكان أن يكونوا موجودين والله يخفي مكانهم على عامة الناس حتى يأتي الوقت المحدد لإخراجهم على الناس.
ومما يؤيد إمكان هذا ما ذكره الله تعالى في سورة المائدة من أنه جعل بني إسرائيل يتيهون في الأرض أربعين سنة وذلك في قوله تعالى: (قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون فى الارض) وهم في فراسخ قليلة من الأرض يمشون ليلهم ونهارهم ولم يطلع عليهم الناس حتى انتهى أمد التيه لأنهم لو اجتمعوا بالناس لبينوا لهم الطريق.
وعلى كل حال فربك فعال لما يريد وأخبار رسوله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه صادقة.
انتهى كلامه رحمه الله وأعلى منزلته وهو نفيس ودقيق.
ولا تعجل بالجواب قبل فهمه والتأمل فيه.
وفقك الله لكل خير.