الوجوهُ: المعاني المختلفةُ لِلَّفظةِ القرآنيةِ في مواضعِها من القرآنِ.
والنَّظَائِرُ: المواضعُ القرآنيةُ المتعدِّدَةُ للوجهِ الواحدِ التي اتفقَ فيها معنى اللَّفظِ، فيكون معنى اللَّفظ في هذه الآية نظيرَ (أي: شبيه ومثيل) معنى اللَّفظِ في الآيةِ الأخرى، واللهُ أعلمُ). أ. هـ.
فعلى هذا تكون (الوجوه) من باب المشترك اللفظي غالباً، وأما النظائر فليست إلا مجرد أمثلة أخرى للوجه الواحد، ولكن في مواضع أخرى، ولا تعد حينئذٍ من المشترك ولا من المترادف.
------
وما نقله أخي أبومجاهد عن شيخ الإسلام ابن تيمية يتضح بعد شرح معنى مصطلحي: (الاشتراك) و (التواطؤ) في الألفاظ.
المشترك اللفظي: هواللفظ الواحد يكون له معانٍ متعددة، تختلف بحسب السياق. مثل لفظة العين: فهي تدل على العين المبصرة، والذهب، وعين الماء، والجاسوس، والسحاب. وغيرها وقد جمعها ابن فارس في قصيدة له.
المتواطئ: هي الألفاظ المختلفة للمعنى الواحد، كلفظة الأسد، والليث، والهزبر فهي تدل على معنى واحد. وهو ما يسميه بعضهم المترادف. وموضوع الترادف مختلف فيه لكن ليس هذا موضوعنا. ولعل الإخوة يزيدون شرح معنى الاشتراك اللغوي، والفرق بين نظرة المتقدمين له ونظرة المتأخرين. فالوقت لا يسمح لي بأكثر من الإشارة هنا.
وقد أشار السيوطي إلى ما أشار إليه ابن تيمية في كلامه المنقول أعلاه. وقال عند حديثه عن المشترك: (وقد صنف في هذا النوع وفي عكسه – وهو ما اختلف لفظه واتحد معناه – كثير من المتقدمين والمتأخرين، منهم ابن الجوزي، وابن أبي المعافى، وأبو الحسين محمد بن عبدالصمد المصري وابن فارس وآخرون). انظر: معترك الأقران 1/ 514 بتحقيق البجاوي.
ويفهم من كلام السيوطي أن العلماء في كتب الوجوه والنظائر صنفوا في المشترك وفي عكسه وهو المترادف أو المتواطئ هذه المصنفات المعروفة بالوجوه والنظائر. لكن الإشكال هو في عدم الإشارة للمترادفات في كتب الوجوه والنظائر! مما يؤيد اعتراض ابن تيمية في كلامه على المصنفين في الوجوه والنظائر. وأظن شيخ الإسلام يشير إلى كتاب ابن الجوزي في الوجوه والنظائر المسمى (نزهة الأعين النواظر).
والظاهر أن وجوه اللفظة القرآنية لم تكن دائماً من باب المشترك اللفظي، وإنما تكون كذلك أحياناً. والذي جعل العلماء يدخلونها باب الوجوه هو استعمال القرآن لها في سياقات مختلفة مما جعلها تدل بناء على السياق على معاني متباينة.
ويبدو لي أن الوجوه المتعددة للفظة الواحدة تكون مرادفة لمعناها الخاص في كل سياق فهي تحمل في طيها ترادفاً مع ألفاظ أخرى هي التي تفسر بها.
فمثلاً لفظة اللسان: قالوا: إنها وردت لأربعة معانٍ: اللغة – الدعاء – الثناء الحسن – العضو المعروف في الفم.
فكون اللسان بمعنى اللغة، يعني أن لفظة اللغة مرادفة للفظة اللسان في بعض سياقاتها الخاصة، ولها مرادف آخر هو الثناء الحسن، ومرادف آخر هو الدعاء. بمعنى أن هذه الألفاظ مختلفة المبنى، متفقة المعنى مع اللفظة الأم.
فمعنى كلام ابن تيمية: أن لفظة اللسان لها وجوه باعتبار اللفظ الواحد وتعدد معانيه بحسب السياق. ولكنه في الوقت نفسه نظير لكل معنى من هذه المعاني المختلفة، فهو مترادف ونظير للوجه الأول (اللغة)، ونظير للثاني (الثناء الحسن) وهكذا.
وأن لفظ الولي مثلاً الذي جعل له العلماء عشرة وجوه هي (الولد – الصاحب – القريب- الرب – المولى الذي يعتق ... الخ) فإن هذه الألفاظ المختلفة نظائر للفظة (الولي) فلها ترادف مع الولد، وترادف آخر مع الصاحب، وترادف ثالث مع القريب وهكذا.
فيكون معنى الوجوه إذاً: المعاني المتعددة للفظ الواحد، ويكون هذا من الاشتراك أحياناً.
ويكون معنى النظائر: تعدد الألفاظ واتحاد المعاني، وهنا يكون الترادف أو التواطؤ.
ويكون معنى قول ابن تيمية: (فالوجوه فى الأسماء المشتركة) أي: اتحاد اللفظ واختلاف المعنى بحسب السياق، وهو يعني بالأسماء الألفاظ لا قسيم الفعل والحرف.
ومعنى قوله: (والنظائر فى الأسماء المتواطئة) أي: تعدد الألفاظ واتحاد المعاني وهذا هو التواطؤ أو الترادف، ويكون هذا بحسب دلالة السياق الخاصة.
¥