.. وقد أشار السيوطي إلى ما أشار إليه ابن تيمية في كلامه المنقول أعلاه. وقال عند حديثه عن المشترك: "وقد صنف في هذا النوع وفي عكسه – وهو ما اختلف لفظه واتحد معناه – كثير من المتقدمين والمتأخرين، منهم ابن الجوزي، وابن أبي المعافى، وأبو الحسين محمد بن عبدالصمد المصري وابن فارس وآخرون". انظر: معترك الأقران 1/ 514 بتحقيق البجاوي.
ويفهم من كلام السيوطي أن العلماء في كتب الوجوه والنظائر صنفوا في المشترك وفي عكسه وهو المترادف أو المتواطئ هذه المصنفات المعروفة بالوجوه والنظائر. لكن الإشكال هو في عدم الإشارة للمترادفات في كتب الوجوه والنظائر! مما يؤيد اعتراض ابن تيمية في كلامه على المصنفين في الوجوه والنظائر. وأظن شيخ الإسلام يشير إلى كتاب ابن الجوزي في الوجوه والنظائر المسمى (نزهة الأعين النواظر).
إن كان في اعتراض شيخ الإسلام إشارة إلى كتاب ابن الجوزي، والإنتصار لهذا الإعتراض بدليل عدم الإشارة للمترادفات في المؤلفات، فأظن أن هذا ينبع عن إسقاط ابن الجوزي كتاباً للغوي متقدّم له شهرته ومكانته في عالم اللغة والأدب، وإغفاله له كليا، وهو المبرّد المتوفي سنة 285 هـ، فله كتاب في هذا الفن، وهو كتاب: (ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد)، وقد أثبته له السيوطي في (البغية).
وهذا الكتاب حقّقه الدكتور أحمد محمد سليمان أبو رعد. وعند النظر في هذا الكتاب نجد أن المبرّد ابتدأه بظاهرة الترادف التي عبّر عنها بقوله: "اختلاف اللفظين والمعنى واحد". والدليل على أن المقصود هنا هو المترادفات، قوله: "فأما اختلاف اللفظين والمعنى واحد فقولك: ظننت وحسبت، وقعدت وجلست، وذراع وساعد، وأنف ومرسن ".
أما بالنسبة لمصطلح (الوجوه والنظائر) عند ابن الجوزي، فهو يقول: "واعلم أن الوجوه والنظائر: أن تكون الكلمة واحدة، ذُكرت في مواضع من القرآن على لفظ واحد، وحركة واحدة، وأريد بكل مكان معنىً غير الآخر. فلفظ كل كلمة ذُكرت في موضع نظير للفظ الكلمة المذكورة في الموضع الآخر. وتفسير كل كلمة بمعنى غير معنى الآخر هو الوجوه. فإذاً النظائر: إسم للألفاظ، والوجوه: إسم للمعاني. فهذا الأصل في وضع كتب الوجوه والنظائر " (مقدمة نزهة الأعين النواظر، ص83).
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[04 Apr 2005, 09:11 م]ـ
يقول سليمان بن بنين الدقيقي النحوي (614 هـ): "فمن ذلك ما أخبرني به الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد بن مفرج بن غياث الأرتاحي، قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أنبأني الشيخ أبو الحسن علي بن الحسين بن عمر الفراء الموصلي، وقال: أخبرنا أبو إسحق إبراهيم بن سعيد بن عبد الله الحبال، قال: أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن إسماعيل بن خرذاد النجيرمي، قال: أخبرنا أبو القاسم جعفر بن شاذلي القمي، قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن عبد الوهاب الزاهد، قال: حدثنا أبو العباس بن يزيد المبرّد بجميع ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن، قال أبو العباس: هذه حروف ألفناها من كتاب الله عزّ وجلّ، متّفقة الألفاظ، مختلفة المعاني، متقاربة في القول، مختلفة في الخبر على ما يوجد في كلام العرب لأن من كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين، واختلاف اللفظ والمعنى واحد، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين.
قال المبرد:
فأما اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين، نحو: ذهب وجاء، وقام وقعد، ويد ورجل، وفرس وحمار.
وأما اختلاف اللفظين والمعنى واحد، فكقولك: ظننت وحسبت، وقعدت وجلست، وذراع وساعد، وأنف ومرسن (جاء ذكرهما في المشاركة أعلاه).
وأما اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين، فنحو قولك: وجدت شيئاً إذا أردت وجدان الضالة، ووجدت على الرجل من الموجدة، ووجدت زيداً كريماً أي علمت.
ثم قال بعد ذلك: فمما اتفق لفظه واختلف معناه قول الله عزّ وجلّ ((إلا أمانيّ وإن هم إلا يظنّون)) (البقرة: 178) هذا لمن يشكّ. ثم قال: ((الذين يظنّون أنهم ملاقو ربهم)) (البقرة: 46) فهذا يقين "
المصدر:
اتفاق المباني وافتراق المعاني
لسليمان بن بنين الدقيقي النحوي
المتوفي سنة 614 هـ
تحقيق الدكتور يحيى عبد الرؤوف جبر
وقد وجدت تعريفاً آخر للأشباه والنظائر في كتاب (التطور الدلالي بين لغة الشعر ولغة القرآن) من تأليف الدكتور عودة خليل أبو عودة، من شأنه أن يزيل للإشكال: يقول: " علم الأشباه والنظائر فرع من علوم التفسير. ويُقصد بالأشباه الألفاظ المشتركة التي تُستعمل في معان متعدّدة، وهو ما سُمّي في الدراسات الحديثة بالمشترك اللفظي. كلفظ العين يُطلق على العين المبصرة والعين الجارية .. ويُقصد بالنظائر الألفاظ المتواطئة التي تُستعمل بمعنى واحد مثل جواد كريم. وهذا قريب من معنى الترادف في الدراسات اللغوية الحديثة ". ص38.
إلا أن ما قد يشكل على المرء في ما نحن بصدد الحديث عنه، هو ما نجده في المصنّفات التي عالجت قضية المتشابه من الآيات، ولم تقتصر على (الكلمة) القرآنية وحدها.
انظر إلى قول الكرماني في مقدمة كتابه (البرهان في توجيه متشابه القرآن)، فبعد حمد الله والثناء عليه، يقول: " فإن هذا كتاب أذكر فيه الآيات المتشابهات التي تكرّرت في القرآن وألفاظها متّفقة، ولكن وقع في بعضها زيادة أو نقصان، او تقديم أو تأخير، أو إبدال حرف مكان حرف، أو غير ذلك مما يوجب اختلافاً بين الآيتين أو الآيات ... ولكني أفردت هذا الكتاب لبيان المتشابه، فإن الأئمة رحمهم الله تعالى قد شرعوا في تصنيفه واقتصروا على ذكر الآية ونظيرتها، ولم يشتغلوا بذكر وجوهها وعللها والفرق بين الآية ومثلها. وهو المشكل الذي لا يقوم بأعبائه إلا من وفّقه الله لأدائه " ص20.
وفي (متشابهات القرآن) يقول الكسائي في مقدمته: " فإني إن شاء الله أذكر في هذا الكتاب ما تشابه من ألفاظ القرآن، وتناظر من كلمات الفرقان .. " ص40.
¥