تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

2. و (المَسْكَنة) يعود إلى الفقر، فليس عندهم شجاعة، وليس عندهم غِنى، لا كرماً بالمال، ولا كرماً بالنفس؛ لأن الشجاعة كرم بالنفس، يجود الإنسان بنفسه لإعلاء كلمة الله، والكرم: جود بالمال، ثم - والعياذ بالله - ما حصل لهم هذا، ولا هذا، بل العكس (ضُرِبَت عَلَيْهِم الذِّلَّة) فلا شجاعة عندهم، وضربت عليهم المسكنة فلا جود عندهم، ولهذا لا يوجد أمَّة أفقر من اليهود، ولا أبخل، أي: لا أفقر قلباً منهم، وليس مالاً، وإلا فأموالهم كثيرة.

3. فهذه الذلة - والعياذ بالله - عليهم مضروبة، وكذلك المسْكنة، فإذا قال قائل: الواقع خلاف هذا الأمر؟! قلنا: لا يمكن أن يكون الواقع مخالفاً لكلام الله، ورسوله، وإنما الخطأ في الفهم، والتصور، أما كلام الله: فلا يختلف، فنقول:

هذه الآية مطلقة – أي: قوله تعالى: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) البقرة/61 - وفي قوله تعالى في آل عمران: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) آل عمران/112: ما يقيِّد هذه الآية، ويصير المعنى: " ضُربت الذلة والمسكنة إلا بحبلٍ مِن الله وحبلٍ مِن الناس "، فإذا وصلهم الله تعالى، أو وصلهم الناس: فإنهم تزول عنهم الذلة، ويكون معهم شجاعة، وقوة.

4. الحبل من الله ما هو؟ قيل: إنه الإسلام، والحبل من الناس: أن يمدهم الناس غير اليهود بما يمدونهم به، فاليهود الموجودون الآن في حبلٍ من الناس يمدهم، وهم النصارى في كل مكان، يمدونهم؛ لأن الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) المائدة/51، وهذا خبر، والخبر من الله: لا يُخلف، النصارى تمدهم من جميع أقطار الدنيا، إما علناً وإما سرّاً، وإما مباشراً أو غير مباشرٍ.

5. الحبل من الله قلنا: إنه الإسلام - على ما ذكره كثير من أهل العلم - ويحتمل عندي: أنه أعم من الإسلام؛ لأنهم إذا أسلموا: زال عنهم وصف اليهودية، وصاروا من المسلمين، لكن عندي أنه (حبل من الله): أن الله قد يسلطهم على غيرهم؛ عقوبةً لهم، قد يُسلَّطون على غيرهم، وتكون لهم الغلبة، عقوبة على الآخرين؛ لعلهم يرجعون إلى الله عز وجل، لا سيما إذا كانوا من أمَّة محمد عليه الصلاة والسلام، وعصوا وأَبعدوا عن هذه الملة: فإن الله عز وجل يسلِّط عليهم مَن شاء مِن خلقه؛ لعلهم يرجعون، وهذا الأمر هو الواقع، لو نظرنا إلى الذين جعلوا أنفسهم في مسير هؤلاء اليهود - وهم العرب -: لوجدنا أكثرهم ضالين - ولا سيما ذوي القيادات منهم - منحرفين عن الحق، بل ربما يصل أمر بعضهم إلى الكفر - والعياذ بالله -، فلذلك يسلَّط عليهم هؤلاء، ويحصل ما يحصل.

6. إذن يزول عنَّا الاشتباه في قوله: (وَضُرِبَت عَلَيْهِم الذِّلَّةُ وَالمَسْكَنَةُ): " لماذا نراهم الآن في هذه الحال، والآية خبرٌ من الله، وخبر الله حق وصدق، لا يمكن أن يتخلف ":

فالجواب:

أن هذه الآية مقيَّدة بقوله تعالى (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ)، وانظر التقييد في " آل عمران ": تقييد في الذلة فقط، لكن المسكنة غير مقيدة، ولذلك هم مضروب عليهم المسكنة أينما كانوا، ولا يمكن أن يبذلوا قرشاً إلا وهم في أملٍ أن يحصلوا درهماً، فالمسكَنة مطلقة، والمذلة مقيدة، (إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ الله وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ).

" تفسير سورة البقرة " (الشريط رقم 10، وجه أ).

والله أعلم

http://www.islam-qa.com/ar/ref/132458

ـ[امجد الراوي]ــــــــ[21 May 2010, 08:17 ص]ـ

وفي هذا الجواب فوائد نافعة إن شاء الله

كيف يتطابق قوله تعالى عن اليهود: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهم الذِّلَّةُ وَالمَسْكَنَةُ) مع واقعهم الحالي؟

يقول الله سبحانه وتعالى عن اليهود في السورة رقم 3 آية 112 (باءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة)، لكن يبدو أن أحوال اليهود حسنة، ويبدو أنهم أثرياء، ويبلون حسناً، فهل بوسعكم - رجاء – التفسير، بارك الله فيكم.

ولكن الحال منقلب اللان، فصرنا اشد الناس ذلة وصغارا ويبعث الله علينا من يسومنا سوء العذاب، وضربت علينا الذلة والمسكنة وبئنا بغضب من الله اكثر من اهل الارض الاخرين،

وصاروا اكثر الناس اعزة، ولانخرجهم من بيوتهم وارضهم واموالهم، وانما يخرجونا هم من ارضنا واموالنا وابناءنا ويخربون بيوتنا بايديهم وايدينا، واتى الله بنياننا من القواعد فخر علينا السقف من فوقنا، فماذا يقول السادة المشايخ الافاضل؟

ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[22 May 2010, 05:35 ص]ـ

الجواب موجود في النقل السابق، وهو:

" لكن عندي أنه (حبل من الله): أن الله قد يسلطهم على غيرهم؛ عقوبةً لهم، قد يُسلَّطون على غيرهم، وتكون لهم الغلبة، عقوبة على الآخرين؛ لعلهم يرجعون إلى الله عز وجل، لا سيما إذا كانوا من أمَّة محمد عليه الصلاة والسلام، وعصوا وأَبعدوا عن هذه الملة: فإن الله عز وجل يسلِّط عليهم مَن شاء مِن خلقه؛ لعلهم يرجعون، وهذا الأمر هو الواقع، لو نظرنا إلى الذين جعلوا أنفسهم في مسير هؤلاء اليهود - وهم العرب -: لوجدنا أكثرهم ضالين - ولا سيما ذوي القيادات منهم - منحرفين عن الحق، بل ربما يصل أمر بعضهم إلى الكفر - والعياذ بالله -، فلذلك يسلَّط عليهم هؤلاء، ويحصل ما يحصل ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير