تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بهذه الدِّقة، فما بالك بالسمع والبصر عند الخالق العظيم!! ولذلك فقد وصف الله تعالى نفسه بالسميع، البصير، بصيغة مُبالغة تأكيداً على أنَّ هذه الصفة عند الخالق هي أعظم منها بكثيرٍ عند غيره من المخلوقات.

القدير، المحيي، المميت، الباعث:

قال تعالى: { .. بِيَدكَ الخَيرُ إنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهارِ وتُولِجُ النَّهارَ في اللَّيْلِ وتُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وتُخرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ .. } (3 آل عمران آية 26ـ27).

وقال أيضاً: {أوَ لَيْسَ الَّذي خَلَقَ السَّمَواتِ والأرضَ بقادِرٍ على أنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بلى وهُوَ الخَلاَّقُ العَلِيمُ} (36 يس آية 81).

وقال أيضاً: {قُلِ الله يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجمَعُكُم إلى يومِ القيامةِ لا ريبَ فيهِ ولكنَّ أكثر النَّاس لا يعْلَمُون} (45 الجاثية آية 26).

وقال أيضاً: {ذلك بأنَّ الله هو الحقُّ وأنَّه يُحيي الموتى وأنَّه على كلِّ شيءٍ قدير * وأنَّ الساعةَ آتيةٌ لا ريبَ فيها وأنَّ الله يبعثُ مَنْ في القبور} (22 الحج آية 6ـ7).

إن القلب المنوَّر يكاد يبصر قدرة الله تُحرِّك الأفلاك، وتُسيِّر الكرة المعتمة حول الكرة المضيئة، وتَقْلِبُ مواضع الظلمة ضياءً شيئاً فشيئاً، حتى يتحوَّل ظلام الليل إلى وضاءة النهار، ويتنفَّس الصبح متحرِّراً من السكون والخمود. إنها حركة لا يمكن لإنسان عاقل أن يدَّعي أنها تمضي مصادفة من غير أن تضبطها قدرة مهيمنة لامتناهية.

وإنَّ من خصائص الألوهيَّة المتَّصفة بهذه القدرة إيجاد الحياة من العدم؛ فالزرع يخرج من الحَبِّ، والحَبُّ يكمن في لبِّ الزرع، والطائر ينقف البيضة متلمِّساً الطريق يرى نور الحياة، والبيضة تنحدر من الطائر لتعيد دورة الحياة! وكذلك الموت والحياة؛ فعلى الرُّغم من أنهما قطبان متنافران فإن أحدهما يكمن في طيَّات الآخر، ففي كلِّ لحظة تمرُّ على الكائن الحي، يقترب منه الموت بمقدارٍ مساوٍ لتلك اللحظة الَّتي يعيشها، فالموت يأكل من عمره، والحياة ترسي في نسيجه خلايا جديدة، وهكذا .. خلايا تموت، وخلايا تتوالد في كيان كلِّ الأحياء، إلى أن يموت الكائن الحي، وتتحول خلاياه إلى ذرات ذوات تركيب آخر، فدورة الحياة والموت مستمرة بقدرة معجزة في كلِّ لحظة من لحظات الليل والنهار.

ولقد تضمَّنت الآيات الأخيرة عنصراً هاماً من عناصر العقيدة؛ هو الإيمان بقدرة الله تعالى وحده على الإحياء والإماتة، وإعادة خلق الناس للحساب والجزاء. فهو وحده المحيي والمميت؛ يُخرج الإنسان من بطن أمه عُرياناً، لا حول له ولا قوَّة، ثمَّ يزوِّده بأسباب الحياة، ثمَّ يميته، ثمَّ يبعثه يوم القيامة حيّاً، وليس لأحد غيره عزَّ وجل سلطة أو قدرة على الإحياء والإماتة.

والآيات كذلك توجِّه الرسول صلى الله عليه وسلم وكلَّ مؤمن من بعده لدعوة الناس للإيمان بحقيقة جَليَّةٍ؛ هي أن الله عزَّ وجل هو واهب الحياة في الدنيا والمميت عند انقضاء الآجال، وأنه سيجمع الناس يوم القيامة جمعاً لا ريب فيه، لا كما يزعم بعضهم بأنهم يَحْيَوْن ويموتون بحكم الدَّهر. فإذا كان الله عزَّ وجل قد قَدِر على الخلق في المرة الأولى، فَمِنْ بابٍ أولى أنه يقدر على إعادته كرَّة أخرى، قال تعالى: {وهو الَّذي يَبْدَؤُ الخلْقَ ثمَّ يُعِيدُهُ وهو أَهْوَنُ عليه .. } (30 الروم آية 27).

وهذه الحقائق تتوافق مع المنطق والعقل، فهل يُعقل أن تُوهَب الحياة لكلٍّ من الإنسان والحيوان والنبات ـ بمحض المصادفة ـ من غير واهب عظيم قادر على بثِّها وإيداعها في المخلوقات؟ تلك الحياة الَّتي هي قوَّةٌ خارقة، لا يزال العقل عاجزاً عن إدراك كنهها وأبعادها، وسيظلُّ كذلك إلى ما شاء الله. وهل يُعقل أن تُنفخ الرُّوح من قبل الفراغ، وتَؤول إلى الفراغ؟ ثمَّ هل من العدالة في شيء أن يعيش الناس على هذه الأرض، يكسِب بَرُّهم الخيرات، ويجترح آثِمُهم السيئات، ثمَّ ينتهون جميعاً إلى مصير واحد هو الفناء، دون حساب ودون ثواب أو عقاب؟؛ ويجيبنا الله تعالى بقوله: {الَّذي خَلَقَ الموتَ والحياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أيُّكُم أحسنُ عملاً وهو العزيزُ الغفورُ} (67 سورة الملك آية2).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير