تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أمَّا الهداية الثانية: فهي هداية غير مباشرة، يمنحها الله للناس ـ عن طريق رسله والكتب المنزلة عليهم ــ للوصول إلى الحقائق الَّتي لا تصل إليها مداركهم مهما أُوتُوا من علوم ومعارف وإمكانات، كالحقائق الَّتي تتعلَّق بالذَّات الإلهيَّة، وبالعالم الآخر أو ما وراء الطبيعة، ويُضاف إلى هذه الحقائق النظم والتشريعات السماوية الَّتي يأتي بها كلُّ نبيٍّ لتكون صالحة للزمان والمكان الَّذي يعيش فيه الإنسان، حيث أتت متمِّمة لبعضها بعضاً، وأخذت استمراريتها في إطار خاتم الرسالات؛ رسالة الإسلام.

فإرسال الرسل، وإنزال الكتب من وسائل الهداية، لئلاَّ يكون للناس حجَّة على الله بتركهم دون هادٍ ودليل. فمن اهتدى بهذه الهداية وسلك طريقها زاده الله توفيقاً وهُدىً للخير، لأن الخير يهدي إلى الخير، ومن نأى وابتعد عن طريق الهداية سيطر عليه الهوى، وتحكَّمت به قوى الشَّر والفساد من شياطين الإنس والجن لتلْقي به في ظلمة الجهل والضَّلال، وتتركه نهباً للشَّقاء والعذاب في الدنيا قبل الآخرة.

العليُّ، العظيم:

قال تعالى: {له ما في السَّمَوات وما في الأَرضِ وهوَ العليُّ العظيم} (42 الشورى آية 4).

أمَّا العليُّ: فهو البالغ في عُلُوِّ الرُّتبة والمكانة، والعليُّ فوق خلقه وإلى ما لا نهاية.

وأمَّا العظيم: فهو البالغ أقصى مراتب العظمة قَدْراً وجلالاً، فلا يتصوَّره عقل، ولا تحيط بكنهه بصيرة. وهو الكامل في ذاته وصفاته، والمتفرِّد بالكبرياء والهيمنة.

فالمؤمن بحقيقة هذين الاسمين يستشعر عظمة الله، وعلوَّ مكانته في قلبه على الدَّوام؛ فلا يرى عظيماً في الكون إلا الله، فيدين له وحده بالولاء والإخلاص، وفي حال استحضاره حقيقة اسم الله العظيم، لا يجرؤ على اقتراف ذنب نهاه عنه، مهما كان صغيراً وحقيراً، لأنَّه لا ينظر إلى صغر المعصية بل ينظر إلى عظمة من عصاه.

وقد قُرن هذان الاسمان بالتَّسبيح لله تعالى في الصلاة، فيذكرهما المؤمن في اليوم عشرات المرات، وذلك في ركوعه وسجوده؛ للحديث الوارد فيما روى أحمد وأبو داود عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: «لمَّا نزلت {فَسَبِّح باسمِ ربِّكَ العظيم} (56 الواقعة آية 74) قال النبي صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم، ولمَّا نزلت {سَبِّح اسمَ ربِّكَ الأعلى} (87 الأعلى آية 1) قال النبي صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في سجودكم».

القريب، المجيب:

قال تعالى: {وإذا سألك عبادي عنِّي فإنِّي قريبٌ أُجيب دعوة الدَّاعِ إذا دعانِ فَليَسْتَجِيبوا لي .. } (2 البقرة آية 186).

وقال أيضاً: { .. إنَّ ربِّي قريب مجيب} (11 هود آية 61).

إن الله عزَّ وجل قريب من خلقه، أي عالمٌ بأحوالهم، وسامعٌ لأقوالهم، ومطَّلِعٌ على أعمالهم ونواياهم، ومجيبٌ لدعائهم إذا استجابوا لتعاليمه التزاماً وتنفيذاً.

فالمقصود بقرب الله، العلم والرَّقابة، وليس قرب المكان والجهة، فهو تعالى موجود في كلِّ مكان ولا يحدُّه مكان. وقربه تعالى من مخلوقاته لا يحجبه حجاب، ولا يحول دونه حائل، بل هو أقرب إليهم من حبل الوريد. وبموجب هذا القرب يجيب دعاء المضطرِّين، ويلبِّي شكوى المحزونين، ويقضي حوائج المحتاجين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى حَيِيٌّ كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردَّهما صفراً خائبتين» (رواه أحمد وأبو داود عن سلمان رضي الله عنه).

وبناء على هذا فكلَّما كان الدَّاعي ملتزماً بآداب الدُّعاء، كلَّما كانت الإجابة أقرب وأسرع لقوله صلى الله عليه وسلم: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب من قلبٍ غافل لاهٍ» (رواه الترمذي والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه).

ومن آداب الدُّعاء أن يكون بصوت معتدل كالمناجاة، فقد أخرج ابن جرير وغيره عن معاوية رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقريبٌ ربُّنا، فنناجيه، أم بعيدٌ فنناديه؟ فنزلت الآية الكريمة: {وإذا سألك عبادي عنِّي فإنِّي قريب .. }.

وقد رُوي أن سبب نزول الآية: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع المسلمين يدعون الله بصوت مرتفع في غزوة خيبر، فقال لهم: «أيُّها الناس، أَرْبِعُوا على أنفسكم (أي ارفقوا وهوِّنوا)، فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً بصيراً قريباً، وهو معكم» (رواه مسلم).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير