قال تعالى: {وَلَسوف يُعطيك ربُّك فترضى} (93 الضحى آية 5).
وقال أيضاً: {ما يفتحِ الله للنَّاس من رحمةٍ فلا مُمسكَ لها وما يُمسِكْ فلا مُرسِلَ له من بعده وهو العزيز الحكيم} (35 فاطر آية 2).
إن ما يعطي الله من النِّعم الحسِّية أو المعنويَّة، كالرزق والمطر، والصحَّة والسعادة، والأمن والأمان، والعلم والحكمة .. وغير ذلك فلا مانع لها، وكذلك ما يمنع منها؛ فلا يملك أحد أن يرسله بعد إمساكه، قال تعالى: {وإن يَمْسَسْك الله بِضُرٍّ فلا كاشف له إلاَّ هوَ وإن يَمسَسْك بخيرٍ فهو على كلِّ شيءٍ قدير} (6 الأنعام آية 17). فالخير كلُّه بيده، قادر على نشره على العباد في كلِّ آن؛ لا ينضب معينه، ولا ينقص عطاؤه. وهذا ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعبِّر عنه في مناجاته لله عزَّ وجل، فقد روى الإمام أحمد والشيخان عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من الصلاة قال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلك وله الحمد، وهو على كلِّ شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت .. ».
العزيز، الجبَّار، المتكبِّر:
قال تعالى: { .. العزيزُ الجبَّارُ المُتكبِّرُ سبحان الله عمَّا يُشركون} (59 الحشر آية 23).
العزيز: هو القوي الغالب الَّذي لا يُقهر.
الجبَّار: هو المتعالي عن أن يناله كيد كائد، والمتسلِّط على الجبارين بالانتقام والقصاص.
المتكبِّر: المترفِّع عن كلِّ نقص، والمستعلي على كلِّ ما عداه بحقّ.
إن العزَّة الحقيقيَّة لله وحده، يمنحها لمن يشاء كالرسل والصالحين من خلقه دون غيرهم، قال تعالى: { .. ولله العِزَّةُ ولرسوله وللمؤمنين .. } (63 المنافقون آية 8). فمن كان يريد الوصول إلى شرف العزِّ والسُّمُو فليسلك طريق العزَّة بطاعة الله، وليطلب العزَّة منه لأنه هو مصدرها وواهبها، خلافاً لمن يتوهَّم أنها وليدة كثرة المال والأتباع؛ فكم من معدم لا حول له ولا قوَّة ولا عشيرة، أعزَّه الله بطاعته، وجعله ملكاً عزيزاً، وكم من أشدَّاء أولي قوَّة ومنعة ومال أذلَّهم الله بمعاصيهم، فلم تُغنِ عنهم كثرتهم من الله شيئاً، وفي هذا يقول تعالى: {مَنْ كان يُريدُ العِزَّةَ فلله العِزَّةُ جميعاً .. } (35 فاطر آية 10).
والعزَّة تختلف عن الكِبْرِ، فالعزَّة: هي الشُّعور بالسُّمُو مع معرفة الإنسان حقيقة نفسه، والكِبْرُ: هو غرور الإنسان بنفسه وغمط الناس حقوقهم.
وهكذا فكلُّ من أحبَّ الله وتذلَّل له ـ تذلُّل المحبِّ للحبيب ـ أعزَّه الله ورفعه، وكلُّ من تعزَّز عليه وتذلَّل لغيره أذلَّه الله. ولمَّا كان حبُّ الله يستلزم محبَّة أحبابه، وبغض أعدائه؛ فإن من يعادي أحبابه ويوالي أعداءه، يكون قد سلك بنفسه مسلك الذُّل والهوان، وقد قال الله في حق أمثال هؤلاء: {إنَّ الَّذين يُحادُّون الله ورسولَهُ أولئك في الأَذَلِّين} (58 المجادلة آية 20)، وقال أيضاً: {لا تجدُ قوماً يؤمنون بالله واليومِ الآخِرِ يوادُّون من حادَّ الله ورسولَهُ ولو كانوا آباءَهُم أو أبناءَهُم أو إخوانَهُم أو عشيرتَهُم .. } (58 المجادلة آية 22). وقد أقسم تعالى بعزَّته في الحديث القدسي فقال: «وعزَّتي لا ينال رحمتي من لم يوالِ أوليائي، ويعادِ أعدائي» (أخرجه الترمذي والحاكم والطبراني مرفوعاً).
هذه قبسات من معاني اسم الله العزيز، أمَّا عن جبروته وكبريائه؛ فهو صاحب العظمة والجلال والسُّلطان في أرجاء السموات والأرض بلا شريك ولا منازع، قال تعالى: {وله الكبرياء في السَّموات والأرض وهو العزيز الحكيم} (45 الجاثية آية 37). وقد ورد في الحديث القدسي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما: «العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحداً منهما أسكنته ناري» (أخرجه مسلم).
فكلُّ مَنْ يتكبَّر مِنْ خلقه عن اتِّباع الحقِّ، ويتجبَّر على الضعفاء من الناس بالإذلال والتسخير والإهانة بغير حقٍّ، فإن قانون الله فيه أن يطبع ويختم على قلبه بالضَّلال، قال تعالى: { .. كذلك يَطْبَعُ الله على كلِّ قلْبِ مُتكبِّرٍ جبَّار} (40 غافر آية 35)، ثمَّ ينالُ جزاءه عدلاً واستحقاقاً، لأنه في تكبُّره يعادي الله، وفي تجبُّره يقسو على خلق الله، قال تعالى: { .. وأمَّا الَّذين اسْتَنكفوا واستكبروا فيُعذِّبُهُم عذاباً أليماً .. } (4 النساء آية 173).
¥