فلا عزيز في الكون إلا الله، ولا جبَّار إلا الله، ولا مُتكبِّر إلا الله؛ ولذلك فإن الشعور بالكبرياء المطلق يجب أن ينحصر في الله وحده دون سواه، قال تعالى: {وربَّكَ فكبِّر} (74 المدثر آية 3) أي عظِّمِ الله وصِفْهُ بالكبرياء في سائر أحوالك، فهو أكبر من أن يكون له نِدٌّ أو شريكٌ كما يقول عَبَدَةُ الأوثان. وليكن الله في قلبك أكبر وأعظم من كلِّ عظيم وكبير، فلا تخشَ سواه، ولا تشرك معه مخلوقاً فيما تفضَّل به عليك فتنسب الفضل للمخلوق وتنسى الخالق، وإذا كان الله في قلبك أكبر من كلِّ شيء؛ فما من شيء يستحق أن يشغلك عنه وأنت ماثل بين يديه، وما من شيء مهما تعاظم شأنه ـ من همٍّ أو حزنٍ أو وهمٍ ـ له القدرة على الاستيلاء والسيطرة عليك فالله أكبر من كلِّ ذلك، وإذا ما هيمنت على المؤمن عظمة الشعور بكبريائه تعالى، تلاشت كلُّ الأشياء أمام تلك العظمة، فلا يبقى لها أدنى تأثير أو سلطان عليه.
المُعِزُّ، المُذِلُّ:
قال تعالى: { .. وَتُعِزُّ مَن تشاءُ وَتُذِلُّ مَن تشاءُ .. } (3 آل عمران آية 26).
من أراد العزَّة فلله العزَّة جميعاً، يمنحها لمن يشاء من عباده؛ فتراه نافذ الكلمة، مالكاً للقلوب، كثير الأعوان، وينزعها ممَّنْ يشاء؛ فتجده ذليلاً، مهاناً، مهيض الجناح.
والعزُّ وليد الكرامة والجاه، وهذا كلُّه بيد الله تعالى، يتصرَّف فيه حسب مشيئته وعلمه. وهو من محبوبات الإنسان، تتوق النفس إليه، وتنهض الهمم عند ذكره. أمَّا الباب إليه فهو التَّواضع بين يدي الله، والشُّعور الدَّائم بالضَّعف أمامه والافتقار إليه، فمن تواضع لله رفعه الله. والتَّواضع بين يدي الله يستلزم التَّواضع مع مخلوقاته، وكلَّما ازداد الإنسان تواضعاً ازداد عزّاً وكرامة. أمَّا من ينشد العزَّة بالصُّور والأوهام والمخلوقات الضعيفة العاجزة؛ فهو لا يأوي إلى ركن شديد، وسُرْعان ما يتهاوى في وديان الذلِّ والمهانة، حتى ولو مرَّ عليه حين من الزمن تراءت له فيه أشعَّة المجد والعزَّة، فسيكتشف أن ذلك لم يكن إلا سراباً. فالعزُّ الحقيقي هو عزُّ الدارين الَّذي يمنحه الله المُعِزُّ لمن يمشي في طريقه، ويحجبه عمَّن ضلَّ وجحد، فلا يُذَّل من أحبَّه ووالاه، ولا يُعَزُّ من أبغضه وعاداه.
العَفُوُّ، الغفور، الحليم، الرَّؤوف:
قال تعالى: { .. إنَّ الله لَعفوٌّ غفور} (22 الحج آية 60).
وقال أيضاً: { .. والله غفورٌ حليم} (2 البقرة آية 225).
وقال أيضاً: {وإذا جاءك الَّذين يؤمنون بآياتنا فقُلْ سلامٌ عليكم كَتَبَ ربُّكم على نفسه الرَّحمةَ أنَّه من عمل منكم سُوءاً بجهالةٍ ثمَّ تاب من بعده وأصلحَ فأنَّه غفور رحيم} (6 الأنعام آية54).
وقال أيضاً: { .. إنَّ الله بالنَّاس لرؤوف رحيم} (2 البقرة آية 143).
العَفُوُّ: هو الَّذي يمحو السيِّئات لمن تاب إليه. والغفور: كثير الغفران والسَّتر على المذنبين، فالعَفُوُّ أبلغ من الغفور لأن الغَفْر مجرَّد السَّتْر، أمَّا العَفْوُ فهو المحو والإزالة.
أمَّا الحليم: فهو الَّذي لا يستفزُّه غضب، ولا يحمله ذلك الغضب على استعجال العقوبة.
والرَّؤوف: شديد الرأفة والرحمة بخلقه.
فالله تعالى حليم رؤوف بعباده يوسع لهم في المغفرة حتى تشمل كلَّ تائب ومنيب، وهو يغفر الذنوب جميعاً إلا أنْ يُشرَكَ به، ومن شأن هذه السعة في المغفرة أن تشرح الصُّدور، وترغِّب القلوب بالتَّوبة من كلِّ ذنب والتَّجافي عن كلِّ خطيئة، وتحرِّر الإنسان من سلطة الشيطان الَّتي يسعى إلى إحكامها عليه بإلقائه في براثن اليأس والقنوط والشعور المدمِّر بالذنب. فمن طبيعة البشر أنَّهم يخطئون ومن حلم الله ورأفته بخلقه أنه يعفو ويغفر، لمن تاب بصدق، وأصلح كلَّ ضرر نجم عن ذنب ارتكبه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله: يا بن آدم! إنَّك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالي. يا بن آدم! لو بَلَغَتْ ذنوبك عَنان السَّماء ثمَّ استغفرتني، غفرتُ لك ولا أبالي. يا بن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثمَّ لقيتني لا تُشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة» (أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه).
¥