تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهكذا فتح الله تعالى باب المغفرة والعفو على سعته أمام الإنسان، فما عليه إلا أن يطرقه كلَّما شعر بالعزم على النَّدم والتَّوبة، داعياً وسائلاً ربَّه القبول بقوله: «اللهم إنك عفوٌّ تحبُّ العفو فاعفُ عني» (رواه الإمام أحمد عن عبد اللّه بن بريدة عن عائشة رضي الله عنها)، كما علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول، مقرنين القول بالتطهر والإصلاح.

مالك الملك، ذو الجلال والإكرام:

قال تعالى: {قُلِ اللَّهم مالكَ المُلْكِ تُؤْتي المُلْكَ من تشاءُ وتَنْزِع المُلْكَ ممَّن تشاء .. } (3 آل عمران آية 26).

وقال أيضاً: {كُلُّ مَن عليها فان * ويبقى وجهُ ربِّكَ ذو الجَّلال والإكرام} (55 الرحمن آية 26ـ27).

مالك الملك: الَّذي يتصرَّف في ملكه كما يشاء، ويسيِّر الأمور فيه كما يريد؛ وفق قوانين ثابتة تلتزم بها مخلوقاته وتسير عليها وله أن يخرقها متى شاء، لا مردَّ لقضائه ولا معقِّب لحكمه.

ذو الجلال والإكرام: أي المتَّصف بصفات التنزيه والكمال، وصاحب العظمة والجاه والمتفضِّل على عباده بالإحسان والعطاء.

ويُستحبُّ للمؤمن أن يكثر ـ أثناء دعائه ـ من تكرار هذه الصفة لله تعالى (يا ذا الجلال والإكرام) لتكون ثناءً على الله، واعترافاً وإقراراً بعظمته. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه: «أَلِظُّوا بيا ذا الجلال والإكرام» أي الزموا ذلك في الدعاء وأَلِحُّوا بذكره. ومرَّ النبي صلى الله عليه وسلم برجل، وهو يصلي ويقول: يا ذا الجلال والإكرام فقال: «قد استُجيب لك» (رواه الترمذي عن معاذ رضي الله عنه).

فتبارك الله ذو الجلال والإكرام؛ إليه يرجع الفضل في الإنعام على عباده؛ فهو الجدير بالإجلال فلا يُعصى، والتكريم فلا يُجحد، والشُّكر فلا يُكفر، والذِّكر فلا يُنسى.

وقد كرر تعالى ذكر هذه الصفة في سورة الرحمن مرتين: أولاهما عندما ختم الحديث عن نعم الدنيا بقوله: {ويبقى وجهُ ربِّك ذو الجَّلال والإكرام} (55 الرحمن آية 27) مثبتاً بذلك البقاء والديمومة لذاته العليَّة بعد فناء العالم. وثانيهما عندما ختم ذكر نِعَمِ الآخرة بقوله: {تَباركَ اسمُ ربِّك ذي الجَّلال والإكرام} (55 الرحمن آية 78) فناسب ذكرُها شُكْرَه وحمده عقب امتنانه على المؤمنين بما آتاهم من الخير والفضل في دار كرامته، فهو المنعم المتفضِّل، الَّذي يستحق الثَّناء بما هو أهله.

ولا يسعنا في ختام هذا الباب إلا أن نثني على الله عزَّ وجل فنقول:

يا ذا الجلال والإكرام ... تَبارَكَتْ أسماؤك الحسنى جميعها، ما ذكرناه منها وما لم نذكره، وما أدركناه من مدلولاتها وما لم ندركه، فلا يعلم بحقيقتها إلا أنت ... وسبحانك اللهم نحمدك ونشكرك، لا إله إلا أنت لك الأسماء الحُسنى في ذاتها من قبل استحسان الخلق لها. كانت ولا تزال توحي بالحسن والجمال، وتفيض به على كلِّ الكائنات ... تُسقى بمائها القلوب، فتحيا وتُبعث من جديد، ويغمرها الإيمان بالله الخالق المجيد، ويسبِّح بها كلُّ موجود في الوجود، فإذا بالكون يغدو مشهداً ترتيلياً رائعاً، يردد بأعذب الألحان آيات التنزيه للربِّ المعبود، يتشارك في ذلك الجمادات والأحياء، ويتلاقى فيه المَطْلَعُ والختام في تناسق والتئام.

أمَّا عن مسك الختام في هذا المقام فهو ما جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعاً وتسعين اسماً من حفظها دخل الجنَّة: هو الله الَّذي لا إله إلا هو، الرحمن، الرحيم، الملك، القدُّوس، السَّلام، المُؤمِن، المهيمن، العزيز، الجبَّار، المتكبِّر، الخالق، البارِئ، المصوِّر، الغفَّار، القهَّار، الوهَّاب، الرزَّاق، الفتَّاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرَّافع، المُعِزُّ، المُذِلُّ، السميع، البصير، الحكَم، العدْل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشَّكور، العليُّ، الكبير، الحفيظ، المُقِيْتُ، الحسيب، الجليل، الكريم، الرَّقيب، المجيب، الواسع، المحيط، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحَقُّ، الوكيل، القويُّ، المتين، الوليُّ، الحميد، المُحصي، المُبْدِيءُ، المُعيد، المحيي، المميت، الحيُّ، القيوُّم، الواجد، الماجد، الواحد، الصَّمد، القادر، المقتدر، المقدِّم، المؤخِّر، الأوَّل، الآخر، الظَّاهر، الباطن، الوالي، المتعالي، البرُّ، التوَّاب، المنتقم، العفُّو، الرؤوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني، المانع، الضارُّ، النَّافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصَّبور».

وفي كثرة الأسماء هذه إشارة ودلالة على عظمة المسمَّى، وللمؤمن مطلق الخيار في التوجُّه إلى الله تعالى بأيٍّ منها، لأنها ـ وإن تعدَّدت ـ فكلُّها أسماءٌ له وحده عزَّ وجل، قال تعالى: {قُلِ ادعوا الله أوِ ادعوا الرَّحمنَ أيّاً ما تدعوا فله الأسماءُ الحسنى .. } (17 الإسراء آية 110). وليس القصد هو مجرَّد الوقوف على مدلولات هذه الأسماء، أو تخصيص اسم دون آخر، وإنما يتعيَّن الوصول من خلالها إلى معرفة الصِّفات الحقيقية لله عزَّ وجل والسعي عن طريقها إلى تعميق الصِّلة به.

هذا مظهر من مظاهر عظمة الله تعالى وجلاله، الَّذي يؤمن به المسلمون إلهاً وربّاً للعالمين، ربَّ آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمَّد وغيرهم من الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) الَّذين أرسلهم رحمة للناس أجمعين، يهدونهم إلى معرفة إلههم الحقِّ الَّذي خلقهم فأحسن خلقهم وإليه وحده يرجعون، وبيده وحده مصائرهم وأقدارهم، فسبحان الله عما يشركون.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير