تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نصرنا فنجى من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين، لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}.

فبين أن العبرة في قصص المرسلين، و أمر بالنظر في عاقبة من كذبهم وعاقبتهم بالنصر.

ومن المعلوم أن قصة موسى وما جرى له مع فرعون وغيره أعظم وأشرف من قصة يوسف بكثير كثير، و لهذا هي أعظم قصص الأنبياء التي تذكر في القرآن، ثنَّاها الله أكثرَ من غيرها و بسَطها وطوَّلها أكثرَ من غيرها، بل قصص سائر الأنبياء-كنوح وهود وصالح وشعيب وغيرهم من المرسلين - أعظم من قصة يوسف، و لهذا ثنى الله تلك القصص في القرآن، ولم يثنِّ قصةَ يوسف، وذلك لأن الذين عادَوا يوسف لم يعادُوه على الدين؛بل عادَوه عداوةً دنيوية، و حسدوه على محبة أبيه له، و ظلموه فصبر واتقى الله، وابتلي - صلوات الله عليه - بمن ظلمه وبمن دعاه إلى الفاحشة فصبر و اتقى الله في هذا وفي هذا.

وابتلى أيضا بالملك، فابتلى بالسراء والضراء فصبر واتقى الله في هذا وهذا = فكانت قصته من أحسن القصص، وهي أحسن من القِصص التي لم تُقص في القرآن، فإن الناس قد يظلمون ويحسدون ويدعون إلى الفاحشة ويبتلون بالملك؛ لكن ليس مَن لم يذكر في القرآن ممن اتقى الله و صبر = مثل يوسف، ولا فيهم من كانت عاقبته أحسن العواقب في الدنيا والآخرة مثل يوسف.

و هذا كما أن قصة أهل الكهف و قصة ذي القرنين كلٌّ منهما هي في جنسها أحسن من غيرها، فقصة ذي القرنين أحسن قصص الملوك، وقصة أهل الكهف أحسن قصص أولياء الله الذين كانوا في زمن الفترة، فقوله تعالى {نحن نقص عليك أحسن القصص} يتناول كلَّ ما قصه في كتابه، فهو أحسن مما لم يقصه، ليس المراد أن قصة يوسف أحسن ما قُصَّ في القرآن، وأين ما جرى ليوسف مما جرى لموسى ونوح وإبراهيم وغيرهم من الرسل؟؟؟ وأين ما عُودي أولئك مما عودي فيه يوسف؟؟ وأين فضل أولئك عند الله وعلو درجتهم من يوسف صلوات الله عليهم أجمعين؟؟ وأين نصر أولئك من نصر يوسف؟؟

فإن يوسف كما قال الله تعالى {وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين} و أذلَّ الله الذين ظلموه ثم تابوا، فكان فيها من العبرة أن المظلوم المحسود إذا صبر و اتقى الله كانت له العاقبة، و أن الظالم الحاسد قد يتوب الله عليه و يعفو عنه، و أن المظلوم ينبغي له العفو عن ظالمه إذا قدر عليه، و بهذا اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة لما قام على باب الكعبة - وقد أذل الله له الذين عادوه وحاربوه من الطلقاء - فقال: " ماذا أنتم قائلون؟ فقالوا: نقول أخ كريم و ابن عم كريم؟ فقال: إني قائل لكم كما قال يوسف لأخوته {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}.

و كذلك عائشة لما ظُلمت وافتري عليها، وقيل لها: إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فقالت في كلامها: "أقول كما قال أبو يوسف {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون}.

ففي قصة يوسف أنواعٌ من العبرة للمظلوم والمحسود والمبتلى بدواعي الفواحش و الذنوب وغير ذلك.

لكن أين قصة نوح وإبراهيم وموسى والمسيح ونحوهم ممن كانت قصته أنه دعا الخلق إلى عبادة الله و حده لا شريك له فكذبوه وآذوه وآذوا من آمن به، فإن هؤلاء أوذوا اختيارا منهم لعبادة الله فعودوا وأوذوا في محبة الله وعبادته باختيارهم؛فإنهم لولا إيمانهم ودعوتهم الخلق إلى عبادة الله لما أوذوا، وهذا بخلاف من أوذي بغير اختياره، كما أخذ يوسف من أبيه بغير اختياره، ولهذا كانت محنة يوسف بالنسوة وامرأة العزيز واختياره السجن على معصية الله أعظم في إيمانه ودرجته عند الله و أجره من صبره على ظلم إخوته له.

و لهذا يعظَّم يوسف بهذا أعظم مما يُعظَّم بذلك، ولهذا قال تعالى فيه {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين}) المجموع 17/ 18 - 24.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير