ثم ذكر الرازي رأيا ثالثا فقال: يجوز بعد ذكر الاسم و خبره الرفع و النصب في المعطوف عليه. و جاز هذا في المعطوف عليه لأن له خبر مضمر و حكم الخبر المضمر الرفع بالابتداء.
3 - القرطبي: يقول:
«إنّ» بمعنى «نَعَم» فالصابئون مرتفع بالابتداء، وحذف الخبر لدلالة الثاني عليه، فالعطف يكون على هذا التقدير بعد تمام الكلام وانقضاء الاسم والخبر. وقال قيس الرقيات:
بَكرَ العواذِلُ في الصَّبا حِ يَلُمْنَني وأَلُومُهُنَّهْ
ويَقُلْنَ شَيْبٌ قد عَلاَ كَ وقد كبِرت فقلت إنّهْ
قال الأخفش: «إنَّه» بمعنى «نَعَم»، وهذه «الهاء» أدخلت للسكت.
4 - الزمخشري:
وهذه إضافة لطيفة منه رحمه الله إذ أنه يتساءل: ما التقديم والتأخير إلا لفائدة، فما فائدة هذا التقديم؟ ثم يجيب: فائدته التنبيه على أن الصابئين يُتاب عليهم إن صحّ منهم الإيمان والعمل الصالح، فما الظنّ بغيرهم. وذلك أن الصابئين أبين هؤلاء المعدودين ضلالاً وأشدّهم غياً، وما سموا صابئين إلا لأنهم صبئوا عن الأديان كلها، أي خرجوا.
3 - " من آمن بالله و اليوم الآخر و عمل صالحا "
الجملة في محل رفع مبتدأ و خبره " فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون" أو في محل نصب بدل من اسم " إن " و ما عطف عليه , و هو بدل بعض و لا بد فيه من الضمير.
4 - " فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون "
الخوف يتعلق بالمستقبل و الحزن بالماضي فقال " لا خوف عليهم " بسبب ما يشاهدون من أهوال القيامة. " ولا هم يحزنون " بسبب ما فاتهم من طيبات الدنيا لأنهم وجدوا أمورا أعظم و أشرف و أطيب مما كانت حاصلة لهم في الدنيا (الرازي)
ما جاء في التحرير و التنوير:
يبدأ رحمه الله بالتذكير بدقة موقع الآية و معناها و إعرابها فيقول:
موقع هذه الآية دقيق، ومعناها أدقّ، وإعرابها تابع لدقّة الأمرين. فموقعها أدقّ من موقع نظيرتها المتقدّمة في سورة البقرة (62). ومعناها يزيد دقّة على معنى نظيرتها تبعاً لدقّة موقع هذه. وإعرابها يتعقّد إشكاله بوقوع قوله: {والصابئون} بحالة رفع بالواو في حين أنّه معطوف على اسم {إنّ} في ظاهر الكلام.
فحقّ علينا أن نخصّها من البيان بما لم يسبق لنا مثله في نظيرتها.
أولا: موقع الآية:
لموقع الآية وجهان:
الوجه الأول أن تكون استئنافاً بيانياً ناشئاً على تقدير سؤال يخطر في نفس السامع لِقوله: {قل يأهل الكتاب لستم على شيء حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل} [المائدة: 68] فيسأل سائل عن حال من انقرضوا من أهل الكتاب قبل مجيء الإسلام: هل هم على شيء أو ليسوا على شيء، وهل نفعهم اتّباع دينهم أيّامئذٍ؛ فوقع قوله: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا} الآية جواباً لهذا السؤال المقدّر. والمراد بالّذين آمنوا المؤمنون بالله وبمحمّد صلى الله عليه وسلم أي المسلمون. وإنّما المقصود من الإخبار الّذين هَادوا والصابون والنّصارى.
الوجه الثاني أن تكون هذه الجملة مؤكِّدة لجملة {ولو أنّ أهل الكتاب آمنوا واتّقوا} [المائدة: 65]، فبعد أن أُتبعت تلك الجملة بما أُتبعت به من الجُمل عاد الكلام بما يفيد معنى تلك الجملة تأكيداً للوعد، ووصلاً لربط الكلام، وليُلحق بأهل الكتاب الصابئون، وليظهر الاهتمام بذكر حال المسلمين في جنّات النّعيم.
أما سبب التصدير بذكر الذين آمنوا في طليعة المعدودين فيرجعه الشيخ محمد الطاهر إلى إدماج التنويه بالمسلمين في هذه المناسبة، لأنّ المسلمين هم المثال الصّالح في كمال الإيمان والتحرّز عن الغرور وعن تسرّب مسارب الشرك إلى عقائدهم (كما بشّر بذلك النّبيء صلى الله عليه وسلم في خطبة حجّة الوداع بقوله: " إنّ الشيطان قد يَئس أن يُعبد من دون الله في أرضكم هذه ") فكان المسلمون، لأنّهم الأوحدون في الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصّالح، أوّلين في هذا الفضل.
ثانيا معنى الآية:
1 - يستهل تفسير الآية بشرح موقع "إن " في الآية: فافتتاحها بحرف {إنّ} هنا للاهتمام بالخبر لعروّ (خلو) المقام عن إرادة ردّ إنكار أو تردّد في الحكم أو تنزيل غير المتردّد منزلة المتردّد
¥