تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذه الظواهر الكونية وما تدل عليه من حقائق علمية، لم تذكر في القرآن الكريم لمجرد الذكر، أو من أجل بيانها للناس ودلالتهم عليها ابتداء، وإنما هي سيقت مساقا تابعا للغرض والهدف الذي ذكرت في ثناياه، ولقد رأينا أن تلك الآيات الكونية سيقت في سبيل الاستدلال بها على قضايا كبرى (كالألوهية والنبوات والبعث) وهذا يدلنا على الغاية التي سيقت لها، بل فوق هذا فالقرآن الكريم قد وصفه المتكلم به سبحانه بأنه هدى ورحمة وبيان ورشاد للخلق جميعاً ـ وفي الحق ـ فهذا الأمر قضية مفصلية في تأصيل الدراسات المتعلقة بالظواهر الكونية الواردة في القرآن الكريم، لأنه حينما يستنبط لنا أحد الباحثين ـ مثلاً ـ أن القرآن فيه ما ينظم الوجبات اليومية ونحو ذلك، فهو في الحقيقة نزول بالقرآن الكريم عن مقاصده الكبرى وغاياته العظمى، وإلا ما قيمة التنظيم الذي يريد إثباته من حيث هداية البشرية والأخذ بيدها إلى ما فيه نجاتها وسعادتها، وأمثال هذه الدراسات التي تقحم في ميدان التفسير كثيرة ولا سيما ما تعلق منها بالحساب العددي (الإعجاز العددي).

وإذاً فيجب أن يُقتصر بتلك الظواهر فهماً واستنباطاً على ما يحقق الغاية التي سيقت لها، فهذا الغرض والمقصد هو الهدف الأصيل لسياقها، وكل ما تحقق مع هذا الهدف فهو تبع له دائر في فلكه، لا يجوز أن يجنح بنا النظر والاستنباط عن هذه الدائرة.

السمة السادسة:

ولما كان الغرض والغاية من تلك الحقائق الكونية المذكورة في القرآن الكريم الاستدلال بها على المسائل الكبرى في هذا الدين، فإن تفاصيل وأجزاء تلك الحقائق الكونية غير مرادة؛ لأنها لا تحقق الهدف، وإن شئت فقل بعبارة أدق لا يستفيد منها أكثر المخاطبين بهذا الهدف، فإن أكثر الناس لا يدرك تفاصيل الحقائق الكونية، مما يجعله لا يستوعب الحديث عنها بهذا القدر التفصيلي، وفي هذا الإطار وبهذا القصد المحدد لا يساعد على تحقيق الغاية، ولا يفهم من هذا أن القرآن الكريم لم يرد فيه مواضع جاءت مفصلة، إذ وردت ألفاظ القرآن الكريم في غاية الدقة والانتقاء لتعبر عن أوصاف دقيقة كقوله تعالى في وصف إحدى مراحل تخلق الجنين في رحم أمه:?ثم خلقنا العلقة مضغة?، فلفظ المضغة دقيق جداً، بل عجيب في التعبير عن خصائص هذه المرحلة من مراحل نمو الجنين تحار ـ فعلاً ـ من دقة التعبير، خاصة إذا اطلعت على ما يذكره أهل الطب. ومثل هذا ينطبق تماماً على قوله تعالى في وصف هذه المضغة:?مخلقة وغير مخلقة?.

وإنما أردت القول: إن الألفاظ القرآنية ـ في سياق ذكر آيات الكون ـ تتسم بعموم وإجمال لافت للنظر إلى جلالها وجمالها، ودلالتها على الغرض الذي سيقت له، دون الخوض في تفاصيل وأجزاء الآيات الكونية، وهذا يجعلنا نسير في عرضنا وبياننا لتلك الآيات مع المنهج القرآني بلا تفصيل يخرج بنا عن المنهج القرآني في عرض تلك الآيات الكونية.

السمة السابعة:

أن منهج القرآن في عرض الآيات الكونية وسياقها لم يكن على نحو جاف جامد خال من الشعور، بعيد عن العواطف، إن آيات القرآن الكريم تسوقها لك حتى تجعلك تخالطها شعوراً وحساً، وروحاً وجسداً، وكثيراً ما استشعرت جلالها وجمالها على نحو طاغ، يسوقك إليها من حيث لا تدرى، ويملك عليك السمع والبصر، ويأخذ بمجامع القلب، يستغرق الشعور والإحساس ويستثير كوامن النفس.

حاول أن تتأمل الآيات القرآنية التي تحدثت عن البحر – مثلاً- وأنت على ظهر سفينة تمخر بك عبابه وتشق أمواجه، أو في ليلة برية تزينها النجوم، وتأمل وصف القرآن الكريم لتلك النجوم كيف يكون شعورك كيف تحس بمظاهر الجلال والجمال في تلك الآيات القرآنية والكونية الواسعة وهذا ما لا تجده في غير القرآن الكريم، وفضلاً عن هذا فإنها تربي وتنمي في المؤمن شعور الإحساس بهذا الكون الذي يعيش فيه، وتوجد لغة وجدانية بينه وبين الكون المحيط به، رابطاً روحياً شفافاً. فكل المخلوقات هي عالم من الإدراك والإحساس يصطف جميعاً ليسبح هذا الخالق العظيم جل جلاله، وصدق الله القائل:?وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً?.

وجانب آخر لهذه السمة؛ يتمثل في تعدد العبارة وتنوع الأسلوب، فكثيراً ما تحدث القرآن الكريم عن السماء بنجومها والأرض بجبالها وسهولها، لكنك في كل مرة تلحظ اختلاف الأسلوب وتنوع العبارة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير