تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تتميز الآيات الكونية التي يتحدث عنها القرآن الكريم، بأنها حقائق ضخمة، وخلق عظيم، بلغ النهاية دقة، والغاية تعقيداً، ولا يقدر قدرها إلا الذي أبدعها وخلقها سبحانه وبحمده، ومع هذا فيتميز منهج القرآن الكريم في عرضها والاستدلال بها؛ بأنه سهل ميسور قريب المأخذ، لا يُشق بها على الأفهام، ولا تكد بها الأذهان، وهذه خصيصة وسمة سارية في كل الظواهر الكونية التي أشار القرآن الكريم لها، وإن الخشوع ليأخذك وأنت ترى ضخامة هذه الحقائق الكونية، وهي تعرض من خلال آيات القرآن الكريم، ذلك العرض السهل المأخذ القريب المعنى، بخلاف ما نراه في كثير من الأدلة العقلية، التي يسوقها المتكلمون والنظار في تقرير الحقائق الكبرى والقضايا الكلية، ولهذه السمة عدد من المسوغات؛ فمع كون القرآن كلام الله عز وجل ـ بينه وبين كلام الخلق كما بين الخالق والمخلوق ـ فقد أراد الله تعالى أن تكون تلك الآيات الكونية شواهد حق على صدق القرآن الكريم، وصحة ما قرره من حقائق غيبية، وبراهين صدق على المبلغ له، وهذا يقتضي أن تكون تلك الأدلة قريبة المأخذ سهلة التناول، لا يشق على آحاد الناس وعامتهم إدراكها، وهذا ما نراه جليا ليس عند العلماء والمهتمين بهذه العلوم، فهم مظنة هذا، بل نرى آثار هذا الوضوح والقرب على الأمي الذي لا يقرأ حرفا ولا يفك خطاً، أو حتى تلك العجوز التي احدودب ظهرها، حتى إن المرء لتأخذه الدهشة من الخشوع والإخبات الذي يراه على محيا ذلك الرجل الأمي والمرأة العجوز عند سماعهما لآيات القرآن الكريم، وهي تستعرض بعض المظاهر الكونية في هذا الكون العظيم، وتأمل هذا فيمن حولك تجد صدقه.

على أنه لا يراد بهذا أن العالم والأمي يستويان في درجة الإدراك، بل المقصود أنهما يستويان في حصول أصل الإدراك، وإن تفاوتا في درجته ومبلغه.

السمة الرابعة:

وبناء على السمة السابقة فإنه لا توجد آية كونية ورد الإشارة إليها في كتاب الله، إلا وهي مدركة لجميع المخاطبين بها، يستوي في ذلك المتقدمون والمتأخرون، فالمتقدمون قد فهموا المراد بها على نحو ما انتهى إليه علمهم، وأدركوا دلالتها على ما سيقت له، ولا يؤثر في هذا ولا يعود عليه بالنقض ما تم اكتشافه حديثاً؛ وذلك لأمرين بارزين:

- الأول: أن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى، الذي خاطب به الخلق جميعاً منذ نزل وإلى أن تقوم الساعة، ومقتضى هذا أن يخاطب الله تعالى الخلق بما يدركونه ويعقلونه، وإلا خرج عما وصف به من البيان والهدى واليسر للمدكر، وهذه قضية مُسلَّمة لم يكن هناك ما يدعو إلى تقريرها؛ لولا أنا رأينا من كلام بعض المعاصرين من يناقض هذا.

- الثاني: أن القرآن الكريم حَمَّال للوجوه، واسع المعاني، عام الدلالة، وهذه أمور يجب أن لا يغفل عنها المهتمون بالنواحي الطبيعية الكونية، فلا يجوز قصر دلالة الآية على ما دلت عليه المكتشفات الحديثة، لأن آيات القرآن الكريم تحتملها وتحتمل ما سبق من كلام المتقدمين بل وربما بقيت فيها دلالات لم يهتد إليها الخلق بعد.

ومن الخطأ أن تنحو كثير من الدراسات المعاصرة ـ في موقفها من المأثور في التفسيرـ منحى؛ التخطئة للمتقدمين في فهمهم لتلك الظواهر الكونية الواردة في كتاب الله تعالى، أو الزعم بأنهم لم يفهموا ما أراد الله تعالى من تلك الآيات الواردة في القرآن، وأحسب هذا تعدٍ واضح وخطلاً في القول، وإلا فهل يجزم هو ـ أيضا ـ على سبيل القطع بأن ما قرر في ضوء المكتشفات العلمية هو مراد الله تعالى.

وإذاً ـ وهو مهم ـ فَفَهمُ أصل الدلالات القرآنية مدركة عند المتقدمين والمتأخرين، وربما فضل المتأخر على المتقدم بأحد أمرين:

* إما من جهة توسيع الدلالة القرآنية (زيادة الدلالة) في ضوء اكتشاف ما لم يكن مدركاً.

* أو من جهة فهم الآية على نحو أكثر دقة (وضوح المعنى) باعتبار أن المكتشفات العلمية تساعدنا في ذلك.

السمة الخامسة:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير