تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذان مثلان ضربهما الله تعالى للكلمة الطيبة، والكلمة الخبيثة، مثل الأولى بشجرة طيبة، ومثل الثانية بشجرة خبيثة. ومناسبتهما لما قبلهما أن الله تعالى لما ذكر مثل أعمال الكفار، وأخبر أنها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، وشرح أحوال الأمة الطيبة، وأحوال الفرقة الخبيثة، ذكر مثلاً يبين الحال في حكم هذين القسمين، ويصور سنته الجارية في الطيب والخبيث في هذه الحياة، فقال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}.

وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً}. أي: ألم تعلم كيف قدَّر الله تعالى مثلاً، ووضعه في موضعه اللائق به، فكان خاتمةً لِما تَقدَّمه؛ كتعليق الراوية على الرواية بعد إسدال الستار. وهو تعجيبٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكلِّ أحدٍ، من كيفية ضرب هذا المثل.

أما قوله تعالى: {كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ .. وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} فهو بيان للمثل وتفسير له، يقوم على تشبيه معقول بمحسوس. فالكلمة الطيبة تشبه الشجرة الطيبة، والكلمة الخبيثة تشبه الشجرة الخبيثة. وما بين المشبه والمشبه به وجه شبَه، دلَّت عليه كاف التشبيه. وعندما تكون الكاف هي أداة التشبيه، فإنها تدل على أن وجه الشبه، الذي يجمع بين المشبه، والمشبه به في تشبيه واحد، يتناول جهةً أو أكثر من جهات الذات، وصفةً أو أكثر من الصفات الخارجة عن الذات.

وبيان ذلك: أنك إذا قلت: زيد مِثل الأسد، بكسر الميم وسكون الثاء، فإنك تريد أنه يُماثله- أي: يساويه- في تَمام ذاته. وإذا قلت: زيد مَثَل الأسد، بفتحتين، فإنك تريد أنه يشبهه في تمام صفاته. فإذا قلت: زيد كالأسد، فإنك تريد أنه يشبهه في جهةٍ أو أكثر من جهات الذات، وفي صفةٍ أو أكثر من صفات الذات.

ومن هنا يُخطىء من يفسر الكاف بمعنى المثل، أو المثل بمعنى الكاف .. فليس قول مريم عليها السلام: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} (آل عمران:36) معناه: ليس الذكر مثل الأنثى. وليس قوله تعالى: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} (البقرة:275) معناه: إنما البيع كالربا؛ كما يذهب إلى ذلك جُمهورُ المفسرين. فتأمل!

وعلى هذا الذي ذكرناه يحمل قوله تعالى: {كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ}؛ لأن المراد أن هذه الكلمة طيبة في حقيقتها، وفي صفاتها، وهي في ذلك تشبه الشجرة الطيبة .. وليس كذلك قوله تعالى: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ}؛ لأن المراد- هنا- تشبيه الكلمة الخبيثة في صفاتها، دون التعرض لحقيقتها، بالشجرة الخبيثة في حقيقتها وصفاتها. هذا ما يدل عليه لفظ المثل المذكور- هنا - بجانب المشبه.

فإذا كان هذا هو شأن الكلمة الخبيثة، فما بالك بحقيقتها؟ إنها لقبحها في ذاتها وبشاعتها، لا يُمكنُ أَنْ تشبَّه بحقيقة أخرى؛ إذ لا شيء يشبهها في ذلك .. وكذلك إذا كان الشيء لعظمه وجلاله؛ بحيث لا يُمكن تصويره في مثل محسوس؛ لأنه فوق كل تصور، فإنه يُكتفَى بتشبيه ما يتصف به من صفات بشيء محسوس في حقيقته وصفاته؛ كقوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} .. فتأمل ذلك، فإن هذه الأسرار الدقيقة في البيان المعجز، لا تجدها في كتب المفسرين على كثرتها!

ونعود بعد ذلك إلى المفسرين، فجمهورهم على القول بأن الكلمة الطيبة هي كلمة التوحيد، وأن الشجرة الطيبة هي المؤمن. وقيل: الكلمة الطيبة هي المؤمن، والشجرة الطيبة هي النخلة .. وأن الكلمة الخبيثة هي كلمة الكفر والشرك، وأن الشجرة الخبيثة هي الكافر أو هي شجرة الحنظل .. وقيل غير ذلك.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير