تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والظاهر من تنكير كُلٍّ مِنْ {كَلِمَةٍ} و {شَجَرَةٍ} في الموضعين أَنَّ المراد بالكلمة الطيبة كل كلمةٍ يُرادُ بِها حَقٌّ، وبالكلمة الخبيثة كل كلمة يراد بها باطل، وبالشجرة الطيبة كل شجرة مثمرة طيبة الثمار؛ كالنخلة، وشجرة التين والعنب والرمان وغير ذلك. وبالشجرة الخبيثة كل شجرة لا يطيب ثمرها؛ كشجرة الحنظل، ونحوها .. فكما تثمر الكلمة الطيبة العمل الصالح، كذلك تثمر الشجرة الطيبة الثمر النافع. وكما تثمر الكلمة الخبيثة العمل الفاسد، كذلك تثمر الشجرة الخبيثة الثمر الفاسد.

ووصف سبحانه الشجرة الطيبة بأربع صفات:

الصفة الأولى: كونها {طَيِّبَةً}. وذلك يحتمل كونها طيبة المنظر والصورة والشكل. أو كونها طيبة الرائحة. أو كونها طيبة الثمرة. أي: لذيذة مستطابة. أو كونها طيبة بحسب المنفعة. يعني: أنها كما يستلذ بأكلها، فكذلك يعظم الانتفاع بها. قال الرازي: ويجب حمل قوله: {َشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} على مجموع هذه الوجوه؛ لأن باجتماعها يحصل كمال الطيب.

الصفة الثانية: كونها {أَصْلُهَا ثَابِتٌ}. أي: ضارب بعروقه في الأرض. وهو صفة كمال لها؛ لأن الشيء الطيب، لا يعظم السرور به إلا إذا كان ثابتًا، بخلاف ما لو كان معرَّضًا للزوال .. والمراد أن هذه الشجرة لا تزعزعها الأعاصير، ولا تعصف بها رياح الباطل؛ ولا تقوى عليها معاول الطغيان ـ وإن خيل للبعض أنها معرضة للخطر الماحق في بعض الأحيان.

وقرأ أنس بن مالك: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ثَابِتٌ أَصْلُهَا}. وقراءة الجمهور أقوى في اللفظ، وفي المعنى. أما في اللفظ فلأن فيها حسن التقسيم: {أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}.وأما في المعنى فلأن الصفة فيها أجريت على الشجرة لفظًا ومعنى. وأما في قراءة أنس فقد أجريت الصفة على الشجرة لفظًا فقط. وأنت إذا قلت: مررت برجل أبوه قائم، كان أقوى من قولك: مررت برجل قائمٌ أبوه؛ لأن المخبر عنه إنما هو الأب، لا رجل.

والصفة الثالثة: كونها {فَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}. أي: سامق شامخ متعال ذاهب في الفضاء على مد البصر، قائم أمام العين يوحي بالقوة والثبات. وهو أيضا صفة كمال لها؛ لأنها متى كانت مرتفعةً كانت بعيدةً عن عفونة الأرض وقاذورات الأبنية، فكانت ثمرتها نقيةً خالصةً عن جَميع الشوائب .. والمراد بـ {فرعها} أعلاها ورأسها، وإن كان المشبه به ذا فروع؛ فيكون من باب الاكتفاء بلفظ الجنس. وكأنَّ هذه الشجرة تطل بفروعها على الشر والظلم والطغيان من علُ، وإن خُيّل إلى البعض أحيانًا أن الشر يزحمها في الفضاء .. وكذلك كلمة الحق تعلو، ولا يُعلَى عليها؛ لأنها هي العليا دائمًا وأبدًا.

والصفة الرابعة: كونها {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}. أي: لا ينقطع ثمرها أبدًا؛ فهي تؤتيه كاملاً حسنًا كثيرًا طيبًا مباركًا، في كل وقت وقته الله تعالى لإثمارها. وهو صفة كمال أيضًا؛ إذ الانتفاع بها غير منقطع حينئذ. وقال: {تُؤْتِي أُكُلَهَا}، ولم يقل: {تُعْطي ثمَرَهَا}؛ لما في الإيتاء من سرعة الإعطاء، وسهولته؛ ولأن الأكُل- بضم الهمزة والكاف- يطلق على كل ما يؤكل من الثمر، فهو أخصُّ من الثمر؛ لأن الثمر منه ما لا يؤكل.

و (الحين) في قوله تعالى: {كُلَّ حِينٍ} القطعة من الزمان. واختلف في تقديره: فقيل: سنة؛ لأن الشجرة تحمل الثمرة من العام إلى العام. ولذلك قال ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، والحكم، وحماد، وجماعة من الفقهاء: (من حلف أن لا يفعل شيئًا حينًا، فإنه لا يفعله سنة). واستشهدوا على ذلك بهذه الآية. وقال عكرمة وغيره: (الحين ستة أشهر) وهي مدة بقاء الثمر، وإليه ذهب أبو حنيفة. وقال ابن المسيب: (الحين شهران) لأَنَّ النخلة تدوم مثمرة شهرين. وقال ابن عباس أيضًا، والضحاك، والربيع: (كل حين. أي: كل غدوة وعشية).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير