يقول عبدالرحمن السعدي: وهذا الجزاء من جنس عملهم، فإنهم كانوا يدعون في الدنيا إلى السجود لله، وتوحيده وعبادته، وهم سالمون، لا علة فيهم، فيستكبون على ذلك ويأبون، فلا تسأل يومئذ عن حالهم وسوء مآلهم، فإن الله سخط عليهم، وحقت عليهم كلمة العذاب، وتقطعت أسبابهم، ولم تنفعهم الندامة والاعتذار يوم القيامة، ففي هذا ما يزعج القلوب عن المقام على المعاصي، ويوجب التدارك مدة الإمكان.
أخرج ابن المنذر عن ابن عباس t في قوله «وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون» قال: هم الكفار كانوا يدعون في الدنيا وهم آمنون فاليوم يدعون وهم خائفون ثم أخبر Q I أنه حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا والآخرة فأما في الدنيا فإنه قال: ما كانوا يستطيعون السمع وهي طاعته، وما كانوا يبصرون وأما في الآخرة فإنه قال: لا يستطيعون خاشعة أبصارهم.
وأخرج ابن مردويه عن كعب الحبر قال: والذي أنزل التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود، والفرقان على محمد أنزلت هذه الآيات في الصلوات المكتوبات حيث ينادي بهن «يوم يكشف عن ساق» إلى قوله تعالى «وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون» الصلوات الخمس إذا نودي بها.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن سعيد بن جبير في «وقد كانوا يدعون إلى السجود» قال: الصلوات في الجماعات.
وأخرج البيهقي عن ابن عباس في قوله «وقد كانوا يدعون إلى السجود» قال: الرجل يسمع الأذان فلا يجيب الصلاة.
يقول الدكتور وهبي الزحيلي: يوم يكشف عن ساق، ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون أي فليأتوا بشركائهم لإنقاذهم يوم يشتد الأمر ويعظم الخطب في القيامة وحين يدعى هؤلاء الشركاء وأنصارهم من الكفار والمنافقين إلى السجود، لأن ظهورهم تيبس وتصبح طبقاً واحداً، فلا تلين للسجود.
ويقول أيضاً: «وخاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة، وقد كانوا يدعون إلى السجود، وهم سالمون» أي تكون أبصارهم ذليلة خاسئة منكسرة، تغشاهم ذلة شديدة، وحسرة وندامة، وقد كانوا في الدنيا مدعوين إلى الصلاة والسجود لله تعالى، فأبوا وتمردوا وامتنعوا مع أنهم كانوا سالمين أصحاء، متمكنين من الفعل لا علل ولا موانع تمنعهم من أداء السجود، قال النخعي والشعبي: المراد بالسجود الصلوات المفروضة، والخلاصة: أنهم لا يدعون إلى السجود تعبداً وتكليفاً، ولكن توبيخاً وتعنيفاً على تركهم السجود في الدنيا، وبما أنهم تكبروا عن السجود في الدنيا مع صحتهم وسلامتهم، عوقبوا بنقيض ما كانوا عليه، بعدم قدرتهم عليه في الآخرة، إذا تجلى الرب I فيسجد له المؤمنون، ولا يستطيع أحد من الكافرين، ولا من المنافقين أن يسجد بل يعود ظهره طبقاً واحداً.
2) قوله تعالى» كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين، ما سلككم في سقر؟ قالوا: لم نك من المصلين، ولم نك نطعم المسكين، وكنا نخوض مع الخائضين، وكنا نكذب بيوم الدين، حتى أتانا اليقين «(سورة المدثر، آية: 38 - 47).
يقول ابن القيم: فلا يخلو إما أن يكون كل واحد من هذه الخصال، هو الذي سلكهم في سقر وجعلهم من المجرمين، أو مجموعها، فإن كان كل واحد منها مستقلاً بذلك، فالدلالة ظاهرة، وإن كان مجموع الأمور الأربعة، فهذا إنما هو لتغليض كفرهم وعقوبتهم، وإلا فكل واحد منها مقتضى للعقوبة، إذ لا يجوز أن يضم ما لا تأثير له في العقوبة إلى ما هو مستقل بها.
ومن المعلوم أن ترك الصلاة، وما ذكر معه، ليس شرطاً في العقوبة على التكذيب بيوم الدين بل هو وحده كاف في العقوبة، فدل على أن كل وصف ذكر معه كذلك، إذ لا يمكن قائلاً أن يقول: لا يعذب إلا من جمع هذه الأوصاف الأربعة، فإذا كان كل واحد منها موجباً للإجرام، وقد جعل الله U المجرمين ضد المسلمين كان تارك الصلاة من المجرمين السالكين في سقر وقد قال «إن المجرمين في ضلال وسعر، يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر» (سورة القمر آية: 47 - 48)، وقال I « إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون» (سورة المطففين آية: 29)، فجعل المجرمين ضد المؤمنين المسلمين.
¥