التوبة:66.
3) قوله تعالى: «فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً» (سورة مريم، آية 59).
حدثني علي بن سعد الكندي قال: ثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي، عن موسى بن سليمان، عن القاسم بن مخيمرة في قوله «فخلف لهم من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة» قال: إنما أضاعوا المواقيت، ولو كان تركاً كان كفراً» رواه الطبري.
حدثنا ابن وكيع، قال ثنا أبي، عن المسعودى، عن القاسم بن عبدالرحمن، والحسن بن مسعود، عن ابن عباس أنه قيل له: إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن، «الذين هم عن صلاتهم ساهون» (سورة الماعون: آية 5)، و «على صلاتهم دائمون» (سورة المعارج: آية 23)، و «على صلواتهم يحافظون» (سورة الأنعام: آية 92)، فقال ابن مسعود t: على مواقيتها، وقالوا: ما كنا نرى ذلك إلا على الترك، قال: ذاك الكفر، رواه الطبري.
حدثنا عبدالكريم بن أبي عمير، قال: ثني الوليد بن مسلم عن أبي عمرو، عن القاسم بن مخيمرة قال: أضاعوا المواقيت، ولو تركوها لصاروا بتركها كفاراً.
حدثني يونس بن عبدالأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا أبو صخر، عن القرظي أنه قال في هذه الآية «فخلف لهم من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات» يقول: تركوا الصلاة، رواه الطبري.
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك عندي بتأويل الآية، قول من قال: إضاعتهموها تركهم إياها لدلالة قول Q جل ثناؤه «إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً» فلو كان الذين وصفهم بأنهم ضيعوها مؤمنين لم يستثن منهم من آمن، وهم مؤمنون ولكنهم كانوا كفاراً لا يصلون لله، ولا يؤدون له فريضة فسقة قد آثروا شهوات أنفسهم على طاعة Q .
يقول الإمام شهاب الدين أبي العباس: «إلا من تاب»، فيه وجهان، أظهرهما أنه استثناء متصل، قال الزجاج: منقطع، وهذا بناء منه على أن المطيع للصلاة من الكفار، وقرأ عبدالله، والحسن، والضحاك، وجماعة «الصلوات» جمعاً.
قال سعيد حوى رحمه الله: «فخلف من بعدهم خلف» أي فجاء من بعد هؤلاء الرسل خلف: أي ذرية سوء «أضاعوا الصلاة» المفروضة، إذا أضاعوها فهم لما سواها من الواجبات أضيع، لأنها عماد الدين وقوامه، وخير أعمال العباد.
ويقول أيضاً: والمعنى: إلا من رجع عن ترك الصلوات واتباع الشهوات، فإن الله يقبل توبته، ويحسن عاقبته، ويجعله من ورثة جنة النعيم، وذلك لأن التوبة تجب ما قبلها. وقال أيضاً: قول «إلا من تاب» أي رجع عن كفره «وآمن وعمل صالحاً» بعد إيمانه.
ويقول أيضاً: وهكذا عرفتنا هذه الآيات أنه بعد كل رسول كانت أمته يضل منها الكثير، فيتركون الواجبات، ويتبعون الشهوات، ولأمتنا نصيب من ذلك وقد هدد Q هؤلاء بالنار، ثم هيج على التوبة والإيمان والعمل الصالح.
يقول الدكتور وهبة الزحيلي: أي فجاء خلف سوء من أولئك السعداء وهم الأنبياء (عليهم السلام) وأتباعهم القائمون بحدود Q وأوامره، المؤدون فرائض Q، والتاركون لزواجره أولئك الخلف يدعون الإيمان واتباع الأنبياء، ولكنهم مخالفون مقصرون كاليهود والنصارى و فساق المسلمين الذين تركوا الصلاة المفروضة عليهم وآثروا شهواتهم من المحرمات على طاعة Q، فاقترفوا الزنى وشربوا الخمور، وشهدوا شهادة الزور، ولعبوا الميسر، ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها فهؤلاء جزاءهم أنهم سيلقون غياً، أي شراً وخيبة وخسارة يوم القيامة لارتكابهم المعاصي وإهمال الواجبات.
يقول عبدالعزيز بن محمد بن علي: ومعنى أضاعوا الصلاة أي تركوها كما اختاره ابن جرير وغيره، وأما المقصود بغي، فقد ساق الإمام محمد بن نصر بسنده عن أبي أمامه الباهلي t قال: سمعت رسول الله ( f) يقول: (لو أن صخرة زنة عشر عشروات قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفاً، ثم تنتهي إلى غي وأثام، قال: بئران في أسفل جهنم، يسيل فيهما صديد أهل جهنم.
يقول ابن القيم رحمه الله: فوجه الدلالة من الآية أن Q I جعل هذا المكان من النار لمن أضاع الصلاة واتبع الشهوات، ولو كان مع عصاة الملمين، لكانوا في الطبقة العليا من طبقات النار، ولم يكونوا في هذا المكان الذي هو في أسفلها، فإن هذا ليس من أمكنة أهل الإسلام، بل من أمكنة الكفار، ومن الآية دليل آخر وهو قوله تعالى «فسوف يلقون غياً، إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً» فول كان مضيع الصلاة مؤمناً لم يشترط في توبته الإيمان، وإنه يكون تحصيلاً للحاصل.
¥