قال الإمام القرطبي: قوله تعالى «فإن تابوا» من الشرك «وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم» هذه فيها تأمل، وذلك أن Q تعالى علق القتل على الشرك ثم قال «فإن تابوا» والأصل أن القتل متى كان للشرك يزول بزواله، وذلك يقتضي زوال القتل بمجرد التوبة قبل وقت الصلاة والزكاة، وهذا بين في المعنى، غير أن الله تعالى ذكر التوبة، وذكر معها شرطين آخرين، فلا سبيل إلى إلغاءهما نظيره قوله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا “لا إله إلا Q” ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)، وقال أبو بكر الصديق t: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة بأن الزكاة حق المال، وقال ابن عباس: رحم الله أبا بكر ما كن أفقهه.
يقول القاضي أبو محمد: «فإن تابوا» يريد من الكفر فهي متضمنة للإيمان ثم قرن بها إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة تنبيهاً على مكان الصلاة والزكاة من الشرع «فخلوا سبيلهم» تأمين، وقال أنس بن مالك: هذا هو دين الله الذي جاءت به الرسل وهو من آخر ما نزل قبل اختلاف الأهواء.
يقول الدكتور وهبة الزحيلي: حضت الآية على التوبة الصادقة عن الشرك وإلتزام أحكام الإسلام، وعلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فر تفرقة بين هذه الأمور الثلاثة.
قال الطبري: «فإن تابوا» يقول: فإن رجعوا عما نهاهم عليه من الشرك بالله وجحود نبوة نبيه محمد ( f) إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له، دون الآلهة والأنداد، والإقرار بنبوة محمد ( f) « وأقاموا الصلاة» يقول: وأدوا ما فرض الله عليهم من الصلاة بحدودها وأعطوا الزكاة التي أوجبها الله عليهم في أموالهم أهلها «فخلوا سبيلهم» يقول: فدعوهم يتصرفون في أمصاركم ويدخلون البيت الحرم.
يقول الدكتور وهبة الزحيلي: فإن تابوا عن الكفر أو الشرك الذي حملهم على قتالكم وعداوتكم، دخلوا في الإسلام بأن أعلنوا الشهادتين، وأقاموا حدوده، والتزموا أركانه، من إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة «فخلوا سبيلهم» واتركوهم وشأنهم واعلموا أن الله غفور لمن استغفره رحيم بمن تاب إليه.
فقد نبه على إقامة الصلاة التي هي حق الله I بعد أداء الشهادتين، لأنها أشرف أركان الإسلام بعد الشهادتين.
ويقول أيضاً: إن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة دليل على الإسلام وأنهما يعصمان الدم والمال، يوجبان لمن يؤديهما حقوق المسلمين من حفظ دمه وماله إلا بحق الإسلام.
ويقول أيضاً: واحتج الشافعي بهذه الآية على أن تارك الصلاة يقتل، لأنه تعالى أباح دماء الكفار بجميع الحالات، ثم حرمها عند مجموع هذه الثلاثة: وهي التوبة عن الكفر، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة فإذا لم يوجد هذا المجموع، وجب أن يبقى إباحة الدم على الأصل.
5) قوله تعالى» فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون «(التوبة:11).
يقول الإمام الطبري: يقول جل ثناؤه، فإن رجع هؤلاء المشركون الذين أمرتكم أيها المؤمنون تقتلهم من كفرهم وشركهم بالله إلى الإيمان به وبرسوله وأنابوا إلى طاعته، وأقاموا الصلاة المكتوبة فأدوها بحدودها وآتوا الزكاة المفروضة أهلها «فإخوانكم في الدين» يقول فهم إخوانكم في الدين الذي أمركم الله به وهو الإسلام.
حدثنا ابن وكيع: قال: ثنا حفص بن غياث، عن ليث، عن رجل عن ابن عباس «فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة» قال: حرمت هذه الآية دماء أهل القبلة.
حدثنا احمد بن إسحاق، قال ثنا أبو أحمد، قال ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيده،عن عبدالله قال: أمرتهم بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، ومن لم يزك فلا صلاة له.
يقول الإمام شهاب الدين أبي العباس: قوله تعالى «فإخوانكم» خبر مبتدأ محذوف أي فهم إخوانكم والجملة الاسمية في محل جزم على جواب الشرط، «في الدين» متعلق بإخوانكم لما فيه من معنى الفعل.
¥