تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[02 Apr 2005, 06:17 ص]ـ

شكر الله هذا الجهد العظيم للدكتور جمال أبو حسان حفظه الله ونفعنا بعلمه ..

فالبحث ماتع حقا .. وفيه من الفوائد العظيمة التي يمكنها أن تعود على الأمة بخير كثير ..

وأعجبني ما جاء في نهايته من لطائف البيان لفضيلة الدكتور فضل حسن عباس - حفظه الله ..

وأما بالنسبة لتعليق الأخ أبي عبد المعز - وفّقه الله لكل خير - على مصطلح (التجديد) وسياقه لتحليل كلمة (جديد) من قلم الغمراوي - رحمه الله تعالى - والذي بيّن فيه أن هذه الكلمة لها جاذبية خاصة " لأن الإنسان يفهم أولا أن صفة (جديد) مقترنة بالأشياء المادية ومن ثم فهو يرتاح اليها، ويفضلها على صفة (قديم) " .. إلخ .. فأظنه يخلط هنا بين مصطلحي (التجديد) و (الحداثة) ..

فإن كل ما وصفه بتعبيره والربط بينه وبين (البدعة والإبتداع) .. يقودنا لا محالة إلى مصطلح (الحداثة والإحداث) ..

وإذا رجعنا إلى أصل هذا المصطلح في عصرنا "الحديث" .. نجد أنه أطلق على التحولات الفكرية التي حصلت في العصر الذي تلا النهضة الأوربية بعد الثورة الفرنسية .. والتي تكوّنت على أرجائها مدرسة عريضة شملت كل مجالات الحياة، فكراً وعقيدة، وثقافة وأدباً وفناً، وسلوكاً وسيرة، وقيماً ومفاهيم .. فهو بالتالي وليد ثورة الغرب على الفكر الديني عموماً بسبب تصرفات الكنيسة الغربية خصوصاً .. وهو "الدخيل" الذي أتاح الفرصة لمارتن لوثر للقيام ببعض "الإصلاحات" في "العقيدة" النصرانية ..

وهذا بمفهومنا الإسلامي يُسمى (ابتداعاً) ..

أما في الاسلام .. فإن ختم الرسالة الإلهية وإعلان اكتمال الدين يعني أن ليس هناك تطوّر في الإسلام ذاته كعقيدة .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما بعد، فان خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد (صلى الله عليه وسلم) وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" صحيح مسلم .. ولهذا كان عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - يقول: سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سننا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا النظر في رأي من خالفها. من اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا ".

وعلى هذا نتفق هنا على أن أية محاولة لأي تعديل من أي نوع في الإسلام كعقيدة .. فإن ذلك يُعدّ أنحرافاً ويدخل تحت باب (الإبتداع) .. الذي أشار إليه الأخ أبو عبد المعز ..

فنظرية (الحداثة) هذه وملازمتها لـ (الإبتداع) .. لا محل لها في الإسلام ..

أما (التجديد) - أخي الكريم أبو عبد المعز - فهو سُنّة من سنن الكون، وهو مضمون قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها)) رواه أبو داوود وصحّحه الحافظ العراقي والعلامة السخاوي - رحمهم الله جميعاً. ومن هذا قوله عليه الصلاة والسلام أيضاً: ((جدّدوا إيمانكم) قيل: يا رسول الله، وكيف نجدّد إيماننا؟ قال: ((أكثروا من قول لا إله إلا الله)) رواه أحمد ..

فـ (التجديد) لم يغب عن الساحة الإسلامية أبداً .. وهو لا يختص بعصر دون آخر، ولا يحدّه مدى زمنياً يتوقف عنده .. ما دامت الأحكام يمكن أن تتغير بتغير الزمان والمكان، ضمن ما سمي بالثابت والمتغير في الأحكام .. وما دامت تضبطه موازين شرعية قررتها الأحكام الثابتة ورعاتها من الأئمة والفقهاء ..

وهذا ما تعرّض له وبيّنه فضيلة الدكتور جمال أبو حسان في بحثه ..

وكما أن للـ (التجديد) ضوابط وموازين، إلا أن له أيضاً متطلبات .. منها أنه يصبح ضرورة ملحّة عندما يتهاوى فكر ما من الداخل أو عندما تصيبه شيخوخة من داخله .. مما يتطلّب معه تدخلاً سريعا من أجل استئصال مواطن الضعف والمرض فيه بما يضمن له سلامة الإستمرار .. إن هذا إنما يصلح في مجال الفكر الذي هو في النهاية .. تصوّرات بشر ..

فـ (التجديد) في مجال الفكر لا يتعارض مع القواعد والأسس التي هي بمثابة السياج الذي يتيح له أن يتقدّم من خلاله ويحفظه في الوقت نفسه من الترنّح ذات اليمين وذات الشمال ..

و (التجديد) لا يتعارض مع (الإتباع) .. فالإتباع هو نقطة الإنطلاق وهو الركيزة الأساسية لكل تطور وإضافة .. أو لنقل هو بمثابة الجذور التي يستند إليها التجديد .. ولكن يتعارض الإتباع - ومن ثم التجديد - مع الإبتداع ..

إن (التجديد) لا يلغي أبداً الجذور والأصول ولا يتنكّر لها .. فهي عبارة عن عقائد أو قواعد تتبع وفي ضوئها وفي إطار منها يكون التجديد فكرًا لا عقيدة .. إن التجديد في الفكر هنا لم ينشأ من فراغ .. وإنما كانت له قواعد يسير على هديها ..

أما (الإبتداع) فهو يحاول جاهداً أن يتنكّر لجذوره محاولاً طمس معالمها والتقليل من شأنها وأن يستبدل بهاغيرها مما يظنّه جديداً حتى وإن كان غريبا ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير