تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قيل: والحسوم مشتق من حسْم الداءِ بالمكواة إذ يكوى ويُتابع الكي أيّاماً، فيكون إطلاقه استعارة، ولعلها من مبتكرات القرآن، وبيت عبد العزيز الكلابي من الشعر الإِسلامي فهو متابع لاستعمال القرآن.)

{يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} (آل عمران: من الآية154)

قال: (وأحسب أن لفظ الجاهلية من مبتكرات القرآن، وصف به أهل الشرك تنفيراً من الجهل، وترغيباً في العلم، ولذلك يذكره القرآن في مقامات الذمّ في نحو قوله: {أَفَحُكْمَ ?لْجَـ?هِلِيَّةِ يَبْغُونَ} (المائدة: 50) {وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ?لْجَـ?هِلِيَّةِ ?لاٍّولَى?} (الأحزاب: 33) {إِذْ جَعَلَ ?لَّذِينَ كَفَرُواْ فِى قُلُوبِهِمُ ?لْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ?لْجَـ?هِلِيَّةِ} (الفتح: 26). وقال ابن عبَّاس: سمعت أبي في الجاهلية يقول: اسقنا كأساً دِهاقاً، وفي حديث حكيم بن حِزام: أنَّه سأل النَّبيء صلى الله عليه وسلم عن أشياء كان يتحنّث بها في الجاهلية من صدقة وعتاقة وصلة رحم. وقالوا: شعر الجاهلية، وأيَّامُ الجاهلية. ولم يسمع ذلك كُلّه إلاّ بعد نزول القرآن وفي كلام المسلمين.)

{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} (آل عمران: من الآية128)

قال: (وهذه الجملة تجري مجرى المثل إذ ركبت تركيباً وجيزاً محذوفاً منه بعض الكلمات، ولم أظفر، فيما حفظت من غير القرآن، بأنَّها كانت مستعملة عند العرب، فلعلّها من مبتكرات القرآن، وقريب منها قوله: {وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ?للَّهِ مِن شَىْءٍ} (الممتحنة: 4) وسيجيء قريب منها في قوله الآتي: {يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ?لأٌّمْرِ مِن شَىْءٍ} (آل عمران: 154) و {يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا} (آل عمران: 154) فإن كانت حكاية قولهم بلفظه، فقد دلّ على أنّ هذه الكلمة مستعملة عند العرب، وإن كان حكاية بالمعنى فلا.)

{فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} (التكوير:26) قال: (واعلم أن جملة أين تذهبون قد أرسلت مثلاً، ولعله من مبتكرات القرآن.)

{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (لأعراف:199) قال: (والأخذ حقيقته تناول شيء للانتفاع به أو لإضراره، كما يقال: أخذت العدو من تلابيبه، ولذلك يقال في الأسير أخيذ، ويقال للقوم إذا أسروا أخذوا واستعمل هنا مجازاً فاستعير للتلبس بالوصف والفعل من بين أفعال لو شاء لتلبس بها، فيُشبّه ذلك التلبسُ واختيارهُ على تلبس آخر بأخذ شيء من بين عدة أشياء، فمعنى (خذ العفو): عَامِل به واجْعله وصفاً ولا تتلبس بضده. وأحسب استعارة الأخذ للعرف من مبتكرات القرآن ولذلك ارجع أن البيت المشهور وهو:

خُذي العفوَ مني تَستديمي مَوَدتي ولا تَنْطِقي في سَوْرَتي حين أغْضَبُ

هو لأبي الأسود الدؤلي، وأنه اتبع استعمال القرآن، وأن نسبته إلى أسماء بن خارجة الفزاري أو إلى حاتم الطائي غير صحيحة.)

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[01 Apr 2005, 03:05 م]ـ

وفقك الله يا أبا مجاهد على هذه الفائدة النفيسة. وقد وقفت عند أحد هذه الأمثلة من قبل وهو ترجيح نسبة الشاهد الشعري لأبي الأسود الدؤلي دون غيره لهذه العلة، ولم أتنبه أن لها أخوات عند ابن عاشور رحمه الله. وفي الحق إنه كان ناقداً أدبياً فذاً فوق علمه بالعلوم الأخرى، فقد كان في شرحه للحماسة ولديوان بشار بن برد صاحب نفس أدبي فريد، وقد استطاع أن يوظف مجموع ما تعلمه في اللغة وعلوم الشرع أحسن توظيف في نقده الأدبي. رحمه الله رحمة واسعة.

وهذا مثال من قراطيسه في نقد الشعر كما سماها في مجلة الهداية الإسلامية عام 1357هـ.

قال أبو الطيب المتنبي في القصيدة التي مدح بها الحسين بن إسحاق التنوخي:

وقد صارت الأجفان قرحى من البكى*وصارت بهاراً في الخدود الشقابققال أبو الحسين علي الواحدي في «شرحه»: «قرحى يغير تنوين: جمع قريح مثل جرحى ومرضى، وروى ابن جني: قرحاً بالتنوين على أنه جمع قرحة، كما أنّ بهاراً جمع بهارة وهو الورد الأصفر، والمعنى أنّ الأجفان تقرّحت من كثرة البكاء وصارت حمرة الخدود صفرة لأجل البين» اهـ كلام الواحدي. وقد أشار إلى ما نقل عن أبي الفتح ابن جني، وكان من أصحاب أبي الطيب والآخذين عنه قال: سألت أبا الطيب هل هو قرحى مُمال أو قرحاً منوّن؟ فقال: قرحاً منوّن، ألا ترى أن بعده: وصارت بهاراً؟ قال

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير