قال ابن عاشور: ( .................................................. .................................................. .ووصفت العرب بالكلالة القرابةَ غيرَ القربى، كأنّهم جعلوا وصوله لنسب قريبه عن بُعد، فأطلقوا عليه الكلالة على طريق الكناية واستشهدوا له بقول من لم يسمّوه:
فإنّ أبا المرءِ أحمى له ومَوْلى الكلالة لا يُغْضَبُ
وأحسب أنّ ذلك من مصطلح القرآن؛ إذ لم أره في كلام العرب إلاّ ما بعد نزول الآية.
.................................................. .......................... )
***********
أخي الكريم [أبا مجاهد العبيدي]
إذا كنت تريد مجرد الإطراء على عمل ابن عاشور فهذا أمر لا أنكره عليك،
و إن كنت تقصد النقد للحق و العلم، فهو ما نقلته من قول القرطبي - و كذا كثير من أئمة التفسير في تفاسيرهم، و ارجع إليها إن شئت -
* و ما أراني ذهبت بعيدا - كما عقَبت أنت - فقد أتبعت الرأي دليله، و هو ما ذكره الإمام القرطبي، الذي أورد شاهده من أشعار العرب قبل الإسلام،
و لا أراه قد ذهب بعيدا هو الآخر فيما استشهد به منها،
- و لماذا نذهب بعيدا و قد قاله ابن عاشور نفسه - من حيث لا يشعر - فقد قال: ((ووصفت العرب بالكلالة القرابةَ غيرَ القربى ... ))،
- و إنما يقال: قالت العرب، و وصفت العرب: ما كان منطوقا منهم و مسموعا وقت نزول القرآن و قبله.
- هذا ما أردت توضيحه.
* * *
- هذا من ناحية،
و أجدها من ناحية أخرى مناسبة جيدة لبيان بعض ما ذكر في معنى " الكلالة ":
ففي تفسير مفاتيح الغيب، التفسير الكبير، للإمام الرازي (ت 606 هـ):
(قوله تعالى: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَـ?لَةً أو?مْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلّ و?حِدٍ مّنْهُمَا ?لسُّدُسُ فَإِن كَانُواْ أَكْثَرَ مِن ذ?لِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِى ?لثُّلُثِ مِن بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار وصية الله والله عليم حليم}. [سورة النساء: 12].
اعلم أن هذه الآية في شرح توريث القسم الثالث من أقسام الورثة وهم الكلالة وهم الذين ينسبون إلى الميت بواسطة. وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: كثر أقوال الصحابة في تفسير الكلالة، واختيار أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنها عبارة عمن سوى الوالدين والولد، وهذا هو المختار والقول الصحيح، وأما عمر رضي الله عنه فانه كان يقول: الكلالة من سوى الولد، وروي أنه لما طعن قال: كنت أرى أن الكلالة من لا ولد له، وأنا أستحيى أن أخالف أبا بكر، الكلالة من عدا الوالد والولد، وعن عمر فيه رواية أخرى: وهي التوقف، وكان يقول: ثلاثة، لأن يكون بينها الرسول صلى الله عليه وسلم لنا أحب الي من الدنيا وما فيها: الكلالة، والخلافة، والربا.
والذي يدل على صحة قول الصديق رضي الله عنه وجوه: الأول: التمسك باشتقاق لفظ الكلالة وفيه وجوه: الأول: يقال: كلت الرحم بين فلان وفلان إذا تباعدت القرابة، وحمل فلان على فلان، ثم كل عنه إذا تباعد. فسميت القرابة البعيدة كلالة من هذا الوجه. الثاني: يقال: كل الرجل يكل كلا وكلالة إذا أعيا وذهبت قوته، ثم جعلوا هذا اللفظ استعارة من القرابة الحاصلة لا من جهة الولادة، وذلك لانا بينا أن هذه القرابة حاصلة بواسطة الغير فيكون فيها ضعف، وبهذا يظهر أنه يبعد ادخال الوالدين في الكلالة لأن انتسابهما إلى الميت بغير واسطة. الثالث: الكلالة في أصل اللغة عبارة عن الاحاطة، ومنه الاكليل لاحاطته بالرأس، ومنه الكل لاحاطته بما يدخل فيه، ويقال تكلل السحاب إذا صار محيطا بالجوانب، إذا عرفت هذا فنقول: من عدا الوالد والولد إنما سموا بالكلالة، لأنهم كالدائرة المحيطة بالانسان وكالاكليل المحيط برأسه: أما قرية الولادة فليست كذلك فان فيها يتفرع البعض عن البعض: ويتولد البعض من البعض، كالشيء الواحد الذي يتزايد على نسق واحد، ولهذا قال الشاعر:
نسب تتابع كابراً عن كابر كالرمح أنبوبا على أنبوب
فأما القرابة المغايرة لقرابة الولادة، وهي كالاخوة والأخوات والأعمام والعمات، فانما يحصل لنسبهم اتصال وإحاطة بالمنسوب اليه، فثبت بهذه الوجوه الاشتقاقية أن الكلالة عبارة عمن عدا الوالدين والولد.
¥