في المسألة (السابعة والعشرون ـ قوله تعالى: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو ?مْرَأَةٌ} الكلالة مصدر؛ مِن تكلّله النسب أي أحاط به. وبه سُمِّي الإكليل، وهي منزلة من منازل القمر لإحاطتها بالقمر إذا ?حتلّ بها. ومنه الإكليل أيضاً وهو التاج والعِصابة المحيطة بالرأس. فإذا مات الرجل وليس له ولد ولا والد فورثتُه كلالة. هذا قول أبي بكر الصديق وعمر وعليّ وجمهور أهل العلم. وذكر يحيى بن آدم عن شريك وزهير وأبي الأحوص عن أبي إسحاق عن سليمان بن عبْدٍ قال: ما رأيتهم إلا وقد تواطئوا وأجمعوا على أن الكلالة من مات ليس له ولد ولا والد. وهكذا قال صاحب كتاب العين وأبو منصور اللُّغوِيّ وابن عرفة والقتَبِيّ وأبو عبيد وابن الأنباري. فالأب والابن طرفان للرجل؛ فإذا ذهبا تكلله النسب.
ومنه قيل: روضة مكلّلة إذا حُفَّت بالنور. وأنشدوا:
مسكنُهُ روضةٌ مُكَلَّلَةٌ عمّ بها الأَيْهُقان والذُّرَق
يعني نبتين. وقال ?مرؤ القيس:
أصاحِ ترى بَرْقاً أُرِيك ومِيضَه كلمعِ اليَدينِ في حَبِيّ مُكَلّلِ
فسمُّوا القرابة كَلاَلَةً؛ لأنهم أطافوا بالميت من جوانبه وليسوا منه ولا هو منهم، وإحاطتهم به أنهم ينتسبون معه. كما قال أعرابيّ: مالي كثير ويرِثني كلالة متراخٍ نسبهم. وقال الفرزدق:
ورِثتم قناة المجد لا عن كلالةٍ عن ?بني منافٍ عبدِ شمسٍ وهاشمِ
وقال آخر:
وإنّ أبا المَرْءِ أحْمَى له ومَوْلَى الكلالة لا يغضَب
وقيل: إن الكلالة مأخوذة من الكَلاَل وهو الإعياء؛ فكأنه يصير الميراث إلى الوارث عن بُعد وإعياء. قال الأعشى:
فآليت لا أرثى لها من كلالةِ ولا من وَجَّى حتى تلاقِي محمّدا
وذكر أبو حاتم والأثرم عن أبي عبيدة قال: الكَلالة كل من لم يرثه أبٌ أو ?بن أو أخ فهو عند العرب كَلاَلة. قال أبو عمر: ذِكْر أبي عبيدة الأخَ هنا مع الأب والابن في شرط الكلالة غلط لا وجه له، ولم يذكره في شرط الكلالة غيره. ورُوي عن عمر بن الخطاب أن الكلاَلة من لا ولد له خاصّة؛ ورُوي عن أبي بكر ثم رجعا عنه. وقال ?بن زيد: الكَلالةُ الحيّ والميت جميعاً. وعن عطاء: الكلاَلة المال. قال ?بن العربيّ: وهذا قول طريف لا وجه له.
قلت: له وجْهٌ يتبيّن بالإعراب (آنفاً). وروي عن ابن الأعرابيّ أن الكلالة بنو العَمّ الأباعد. وعن السُّدِّي أن الكلالة الميت. وعنه مثل قول الجمهور. وهذه الأقوال تتبيّن وجوهها بالإعراب؛ فقرأ بعض الكوفين «يُورِّث كلالة» بكسر الراء وتشديدها. وقرأ الحسن وأيوب «يُورِث» بكسر الراء وتخفيفها، على اختلاف عنهما. وعلى هاتين القراءتين لا تكون الكلالة إلا الورثة أو المال. كذلك حكى أصحاب المعاني؛ فالأوّل من ورّث، والثاني من أورث. و «كلالة» مفعوله و «كان» بمعنى وقع. ومن قرأ «يُورَثُ» بفتح الراء احتمل أن تكون الكلالة المال، والتقدير: يورث وراثة كلالة، فتكون نعتاً لمصدر محذوف. ويجوز أن تكون الكلالة اسماً للورثة وهي خبر كان؛ فالتقدير: ذا ورثة. ويجوز أن تكون تامة بمعنى وقع، و «يُورَث» نعت لرجل، و «رَجُلٌ» رفع بكان، و «كلالةً» نصب على التفسير أو الحال؛ على أن الكلالة هو الميت، التقدير: وإن كان رجل يورث متكلل النسب إلى الميت). انتهى.
**************
* و الأمر كذلك في جلّ ما ذكر إن لم يكن في كله،
و القرآن في غنى عن دعاوى لم تثبت، كما يقال في كثير مما يسمى " الإعجاز العلمي ".
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[11 Mar 2006, 09:20 م]ـ
ذهبت بعيداً أخي الكريم [أبوبكر خليل]
فليس في ذكر هذه المصطلحات على أنها من مبتكرات القرآن أي تكلف فيما أرى، وكلامك الذي نقلته عن القرطبي ليس فيه ما يدل على أنهم استعملوا هذا المصطلح بنفس اللفظ، مع العلم بأنه من لغتهم إلا أن هذا اللفظ لم ينقل عنهم قبل نزول القرآن - فيما علم ابن عاشور -.
وهذه الآراء التي ذكرها ابن عاشور ليست قطعية، وغنما هي اجتهادات منه، وتحتاج إلى دراسة لإثبات صحتها.
والله أعلم
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[12 Mar 2006, 08:18 ص]ـ
في تفسير قول الله تعالى: ? يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ ? (النساء: من الآية176)
¥