بدأ في سورة (عبس) في ذكر بذكر الأخ فالأم فالأب فالصاحبة ثم الأبناء في الأخير. وفي سورة (المعارج) على عكس ذلك، فقد بدأ بالأبناء فالصاحبة فالأخ فالفصيلة ثم انتهى بأهل الأرض أجمعين.
وسبب ذلك والله أعلم أن المقام في (عبس) مقام الفرار والهرب، قال تعالى: ((يوم يفرّ المرء))، والإنسان يفرّ من الأباعد أولاً، ثم ينتهي بألصق الناس به وأقربهم إليه، فيكونون آخر من يفرّ منهم. والأخ أبعد المذكورين في الآية من المرء. وأن ألصقهم به زوجه وأبناؤه، فنحن ملتصقون في حياتنا بأزواجنا وأبنائنا أكثر من التصاقنا بإخواننا وآبائنا وأمهاتنا. فقد تمرّ شهور بل ربما أعوام ونحن لا نرى إخواننا في حين نأوي كل يوم إلى أزواجنا وأبنائنا.
والإنسان قد يترك أمه وأباه ليعيش مع زوجه وأبنائه وهو ألصق بأبنائه من زوجه، فقد يفارق زوجه ويسرحها ولكن لا يترك ابنه. فالأبناء آخر من يفرّ منهم المرء ويهرب.
وهكذا رتّب المذكورين في الفرار بحسب العلائق، فأقواهم به علاقة هو آخر من يفرّ منه، فبدأ بالأخ ثم الأم ثم الأب. وقدّم الأم على الأب، ذلك أن الأب أقدر على النصر والمعاونة من الأم، وهو أقدر منها على الإعانة في الرأي والمشورة، وأقدر منها على النفع والدفع. فالأم في الغالب ضعيفة تحتاج غلى الإعانة بخلاف الأب. والإنسان هنا في موقف خوف وفرار وهرب. فهو أكثر التصاقاً في مثل هذه الظروف بالأب لحاجته إليه، ولذا قدم الفرار من الأم على الفرار من الأب، وقدم الفرار من الأب على الفرار من الزوجة، لمكانة الزوجة من قلب الرجل وشدّة علاقته بها، فهي حافظة سرّه وشريكته في حياته، ثم ذكر الفرار من الأبناء في آخر المطاف، ذلك لأنه ألصق بهم وهم مرجوون لنصرته ودفع السوء عنه أكثر من كل المذكورين.
هذا هو السياق في (عبس) سياق الفرار من المعارف وأصحاب العلائق أجمعين للخلو إلى النفس، فإن لكل امريء شأناً يشغله وهمّاً يغنيه.
أما السياق في سورة (المعارج)، فهو مختلف عما في (عبس) ذلك أنه مشهد من مشاهد العذاب الذي لا يطاق، فقد جيء بالمجرم، ليقذف به في هذا الجحيم المستعر، وهذا المجرم يودّ النجاة بكل سبيل ولو أدى ذلك إلى أن يبدأ بابنه، فيضعه في دركات لظى. فرتب المذكورين ترتيباً آخر يقتضيه السياق، وهو البدء بالأقرب إلى القلب والأعلق بالنفس فيفتدي به فضلاً عن الآخرين.
وإن البدء بأقرب الناس وأحبهم إلى هذا المجرم وألصقهم بقلبه ليفتدي به، يدلّ على أن العذاب فوق التصوّر، وهوله أبعد من الخيال، بحيث جعله يبدأ باقرب الناس إليه، وأن يتخلّى عن كل مساومة، فيبدأ يفدي نفسه بالأقرب إلى قلبه ثم الأبعد لذا بدأ ببنيه أعز ما عنده ثم صاحبته وأخيه ثم فصيلته ثم من في الأرض جميعاً والملاحظ أنه في حالة الفداء هذه لم يذكر الأم والأب وهذا لأن الله تعالى أمر بإكرام الأب والأم ويمنع الإفتداء بالأم أو الأب من العذاب إكراماً لهما.
المصدر: لمسات بيانية في نصوص من التنزل، الدكتور فاضل السامرائي، ص193 - 196
ـ[محمد أبو معاذ]ــــــــ[04 Apr 2005, 08:13 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
[الأخوة الفضلاء بارك الله فيكم وجعلكم مباركين أينما كنتم فقد بذلتم جهداُ تشكرون عليه وهذا من باب المدارسة في العلم الذي يبقى في الذاكرة إن شاء الله تعالى فلكم مني الدعاء بالعلم النافع والعمل الصالح والفوز بالجنة والنجاة من النار اللهم آمين.
محبكم/ أبومعاذ [/ B]
ـ[عبد الله السلوم]ــــــــ[07 Nov 2010, 12:08 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
قال تعالى في سورة عبس: ((يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ {34} وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ {35} وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ {36})).
لمعرفة اللمسة البيانية في هذا الترتيب
والله اعلم: ان الترتيب .. كما فهمت ذلك من تفسير الشيخ الشعراوي ـ رحمه الله ـ
كل انسان سوف يفر يوم القيامة من اخيه لان جميع الناس لهم اخوة في الدين او في العرق وان كان يجهل امه او ابيه.
ثم جاء الترتيب بعد الاخ للام لانه هناك من له اخ وام وليس له اب (مثل عيسى بن مريم عليه السلام)
ثم جاء الترييب للاب بعد الام .. للشاب الذي له اخ (وإن كان اخوة الدين او العرق) وام واب ولم يتزوج.
ثم جاء الترتيب للصاحبه .. لمن تزوج ولم يرزق بالذرية
ثم جاء الترتيب للابناء. لمن تزوج ورزق بالابناء.
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[07 Nov 2010, 01:07 ص]ـ
كل ما تقدم مبني على أن الواو للترتيب والراجح أنها ليست له.
والأولى - والله تعالى أعلم - أن يكون الله تعالى ذكر هذه القرابات في الموضعين لبيان هول ذلك اليوم الذي يجعل المرء يفر عن أقرب الملاصقين له "الأخ، الأم، الأب، الصاحبة، والأولاد"، وأنه لهول العذاب يود المجرم لو يفتدي بهم.
ولكن يبقى سؤال مهم، وهو لماذا لم يذكر الوالدين في الذين يتمنى المجرم أن يفتدي بهم؟
¥