تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهكذا تلقى الصحابة القرآن من رسول الله ? بغاية الإتقان والضبط، وكان النبي ? قد وجَّه بعضهم إلى البلدان ليعلموا الناس تلاوة القرآن وأحكام الدين، (8) وظهر في قراءة الصحابة للقران تباين في نطق بعض الكلمات، يرجع ذلك إلى ما أباح لهم به رسول الله? وأقرهم عليه، بسب أن الله ? لم يجعل على عباده حرجاً في دينهم ولا ضيَّق عليهم فيما افترض عليهم، إذ كانت لغات من أنزل عليهم القرآن مختلفة، ولسان كلِّ صاحب لغة لا يقدر على ردِّه إلى لغةٍ أخرى إلاَّ بعد تكلُّفٍ ومئونةٍ شديدة، ولو أن كل فريق من هؤلاء أمر أن يزول عن لغته لاشتد ذلك عليه وعظمت المحنة فيه، فأراد الله برحمته ولطفه أن يجعل مُتسعاً في اللغات ومتصرفاً في الحركات، فأمر رسوله بأن يقرىء كل قوم بلغتهم وما جرت عليه عاداتهم، فقوم جرت عاداتهم بالهمز وقوم بالتخفيف وقوم بالفتح وقوم بالإمالة وهكذا الإعراب واختلافه في لغاتهم وغير ذلك. (9)

فلاجل هذا أباح الله لنبيه أن ييسر على الناس ويقرئهم القرآن ما تيسر منه، وهذا يدل عليه حديث أُبيّ بن كعب أنه قال:لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل، فقال: يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ والكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قط، قال: يا محمد إنَّ القرآن أُنزل على سبعة أحرف. (10)، وفي رواية لمسلم أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف، فقال: أسال الله معافاته ومغفرته، وإنَّ أمتي لا تطيق ذلك، ثم أتاه الثانية فقال إنَّ الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين، فقال أسال الله معافاته ومغفرته وإنَّ أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الثالثة فقال إنَّ الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف، فقال أسأل الله معافاته ومغفرته وإنَّ أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الرابعة فقال إنَّ الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا. (11)

فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة قراءة القرآن ويسمع منهم، ويقرهم على قراءتهم، تخفيفاً وتوسعة من الله تعالى عليهم، ولم يحملهم أمام ذلك الوضع اللغوي المعقد على تعلم نطق لغة قريش ـ التي نزل بها القرآن ـ لقراءة القرآن بها، وإنما أذن وأباح لهم بقراءة القرآن بوجوه من النطق التي اعتادوها و ألفوها ونشأوا عليها، التي لاتضاد فيها بالمعني وتباين، فالقراءات القرآنية ترتبط بهذا الأصل الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذن للصحابة معه بتلك القراءات وأقرهم عليها. (12)، ومن ثم أخذ التابعون قراءة القرآن من أكابر علماء الصحابة بالقراءة، وحملوا عنهم قراءاتهم التي أخذوها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إما مشافهةً أو إقراراً، وانطلقوا بها في أرجاء البلاد الإسلامية خارج الجزيرة العربية التي فتحت على أيدي المسلمين، فكان الصحابة الذين نزلوا في الأمصار الإسلامية حريصين على تعليم المسلمين في تلك الأمصار أحكام الدين وتلاوة القرآن على ضوء ما تلقوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا ذاع صيت العشرات من التابعين ممن عرف بالقراءة والتلقي من أفواه الصحابة، وأخذ المسلمون يتلقون عنهم القراءة بشكل كبير في تلك الأمصار ودارت معها حلقات قراءة القرآن، مع ما فيها من تيسير مما يطيقه أهل تلك الأمصار التي دخلت تحت لواء الإسلام في محيط ما أباحه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه واقرَّهم عليه بإذن الله، وكانت مظاهر التنوع في القراءات بلغت أشدها في زمن خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه حتى خرجت عن إطارها العام والهدف الذي من اجله كان هذا التنوع في القراءات، إذ اختلف عوام الناس في القرآن فصار أحدهم يقول للآخر: قراءتي خير من قراءتك أو اصح من قراءتك، أو قراءتنا أولى من قراءتكم، حتى كاد أن يكفر بعضهم بعضا، وهذا ما أدركه الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عندما حضر فتح أرمينية وأذربيجان فرأى وسمع من الناس ما أفزعه، فقدم على عثمان و أشار إليه بأن يتدارك هذا الأمر ويجمع الكلمة قبل تفاقم الأمر، والواقعة كما يرويها كثير من المحدِّثين والمؤرخين وأصحاب كتب علوم القرآن هي: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير