تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالمصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. (13)

وكان هذا الأمر على ملأ من جمع الصحابة تلقوه بالرضى والقبول والاستحسان، فعن سويد بن غفلة قال: ((والله لا أحدثكم إلاَّ شيئاً سمعته من علي بن أبي طالب، سمعته يقول: يا أيها الناس لا تغلوا في عثمان ولا تقولوا له إلاَّ خيراً ـ أو قولوا له خيراً ـ في المصاحف، وإحراق المصاحف، فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلاَّ من ملأ منا جميعاً، فقال: ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد أن يكون كفراً،قلنا: فما ترى؟ قال: نرى أن يجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة ولا يكون اختلاف، قلنا: فنعم ما رأيت، قال: فقيل أي الناس أفصح، وأي الناس أقرأ؟ قالوا: أفصح الناس سعيد بن العاص، و أقرؤهم زيد بن ثابت، فقال: ليكتب أحدهما ويملي الآخر، ففعلا، وجمع الناس على مصحف، قال: قال علي والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل.)) (14)

وهكذا أدرك الخليفة الراشد عثمان بن عفان الخلاف الذي كاد أن يتسع بين المسلمين في قراءة القرآن فالزمهم على قراءة القرآن بما يوافق خط المصحف، والذي كتب على ما أنزل عليه القرآن وهو لسان قريش، وساعد شكل المصحف في ذلك الوقت من عدم النقط والشكل على بقاء جملة من القراءات مما لا تخالف خط المصحف، فتعددت قراءة أهل الأمصار لذلك بما لا يخالف الخط، وسقط من قراءتهم ما يخالف الخط.

يقول مكي (ت 437هـ): ((فلما كتب عثمان المصاحف وجَّهها إلى الأمصار وحملهم على ما فيها وأمرهم بترك ما خالفها، قرأ أهل كل مصر مصحفهم الذي وجه إليهم على ما كانوا يقرؤون قبل وصول المصحف إليهم مما يوافق خط المصحف، وتركوا من قراءتهم التي كانوا عليها مما يخالف خط المصحف، فاختلفت قراءة أهل الأمصار لذلك بما لا يخالف الخط، وسقط من قراءتهم كلهم ما يخالف الخط.

ونقل ذلك الآخر عن الأول في كل مصر، فاختلف النقل لذلك، حتى وصل النقل إلى هؤلاء الأئمة السبعة على ذلك فاختلفوا فيما نقلوا على حسب اختلاف أهل الأمصار، لم يخرج واحد منهم عن خط المصحف فيما نقل، كما لم يخرج واحد من أهل الأمصار عن خط المصحف الذي وجِّه إليهم.)) (15)

وقد يعرض لبعض المطلعين على تأريخ القرآن والقراءات إشكالاً يكمن في حرص عثمان بن عفان على كتابة القران بلسان قريش، وتأكيده أن هذا القرآن أنزل بلسانهم هذا من جانب، والأحاديث النبوية التي أوردناها سابقاً والتي تنص على أن القرآن أنزل على سبعة أحرف من جانب أخر، فكيف يمكن التوفيق بين هذين الأمرين؟

المتتبع للأحاديث والنصوص الواردة بخصوص نزول القرآن يجد أن نزول القرآن على سبعة أحرف لم يكن من أول وهلة، بل الظاهر أنه نزل أولاً بلغة قريش وهذا ما قصده عثمان بن عفان حين أمر القرشيين الثلاثة بكتابة المصاحف بلسان قريش في حال حصول خلاف بينهم وبين زيد بن ثابت، لأنَّه بلسان قريش نزل، وبهذا صرح أبو شامة في المرشد الوجيز بقوله: ((يعني: أول نزوله قبل الرخصة في قراءته على سبعة أحرف.)) (16)، ومن بعد ذلك جاءت الرخصة بقراءة القرآن على سبعة أحرف، وهذا يعني أن القرآن تكرر نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم وبالأحرف السبعة، وهذا ما يجليه بوضوح الحافظ بن حجر بقوله: ((أن يقال: إنه نزل أولاً بلسان قريش أحد الأحرف السبعة ثم نزل بالأحرف السبعة المأذون في قراءتها تسهيلاً وتيسيراً كما سيأتي بيانه، فلما جمع عثمان الناس على حرف واحد رأى أن الحرف الذي نزل القرآن أولاً بلسانه أولى الأحرف فحمل الناس عليه لكونه لسان

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير