تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لما كان مفهوم "الوضع" ظنيا لم يجز اعتماده لبناء نظرية لغوية سليمة .... فأقصى من قبل ابن تيمية .. واعتمد على مفهوم واضح اجرائي:"الاستعمال"

فإن كان من المجازفة ان نقول ان العرب وضعت اسم" الاسد" للحيوان اولا ثم استعمل بعد ذلك فى الانسان .. فإنه من المؤكد انهم استعملوا اسم "الاسد" فى المعنيين ... معا ... وهذا يمكن التحقق منه بالرجوع الى كلامهم ...

قال ابن تيمية فى الايمان الكبير:"والمقصود هنا أنه لا يمكن أحدا أن ينقل عن العرب بل ولا عن أمة من الأمم أنه اجتمع جماعة فوضعوا جميع هذه الأسماء الموجودة فى اللغة ثم استعملوها بعد الوضع وانما المعروف المنقول بالتواتر استعمال هذه الألفاظ فيما عنوه بها من المعانى فان ادعى مدع أنه يعلم وضعا يتقدم ذلك فهو مبطل فان هذا لم ينقله أحد من الناس ... "

وكأني بشيخ الاسلام هنا يطبق القاعدة الشرعية .... اليقين لا يزول بشك .... فلا يجوز لفرضية الوضع المشكوك فيها ان تشوش على" الاستعمال "المقطوع به ...

وينتج عن هذا الاعتبار .... تساوي الاستعمالات ... فليس استعمال "الاسد" فى الحيوان اولى من استعمال "الاسد" فى الانسان من حيث القيمة .... وبطل بالتالي التصنيف الى اصل وفرع ...

والى هذا المذهب ... مال ابو اسحق الاسفراييني .... كما عرضه د. لطفي عبد البديع .. فى كتابه "فلسفة المجاز":

" ..... ومن اجل ما قدمنا ....... كان ما ذهب اليه ابو اسحق الاسفراييني من انه لا مجاز فى لغة العرب وعمدته ان حد المجاز عند مثبتيه انه كل كلام تجوز به عن موضوعه الاصلي الى غير موضوعه الاصلي للنوع مقارنة بينهما فى الذات او فى المعنى ... اما المقارنة فى المعنى فكوصف الشجاعة والبلادة ..... واما فى الذات فكتسمية المطر سماء ........ وهذا يستدعي منقولا عنه متقدما ومنقولا اليه متاخرا ... وليس فى لغة العرب تقديم وتاخير بل كل زمان قدر ان العرب قد نطقت فيه بالحقيقة فقد نطقت فيه بالمجاز .......... والعرب نطقت بالحقيقة و المجاز على وجه واحد .. فجعل هذا حقيقة وهذا مجازا ضرب من التحكم فان اسم السبع وضع للاسد كما وضع للرجل الشجاع ..

وما قيل فى الجواب عن هذا من ان الجهل بتاريخ تقدم الحقيقة على المجاز لا يدل على عدم التقديم والتاخير منقوض بعدم وجود تاريخ لذلك ... الا ان هذا التاريخ مبني على افتراض التقديم والتاخير ... وهو فى الترتيب الزمني بمنزلة الاصل والفرع فى الترتيب العقلي .. وكلاهما لا وجه له فى الظاهرة اللغوية ... وحسبنا ان نقول ان اللفظة الواحدة قد تتوارد على معان شتى دون

ان يعرف اي هذه المعاني مقدم على الآخر لانه لا سبليل الى ذلك .... انتهى كلام عبد البديع.

ومن النتائج الجليلة ... عن اعتبار الاستعمال لا الوضع .. تغير تصورنا للغة ... فلن تكون بعد هذا "مجموعة من "المفردات "المخزونة-المحنطة- فى المعاجم ..... بل هي مجموعة من "الجمل"المتداولة فى الحياة .... ولهذا التصور غور عظيم ... سيكون هو موضوع حديثنا القادم ان شاء الله .....

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[14 Apr 2005, 03:29 ص]ـ

ان المتتبع لتراث شيخ الاسلام ... سيجد عنده احتفاء قويا .. بمبدأ الواقعية ... وهو المعبر عنه ب"نفس الأمر" ... وهو المقابل للتقدير الذهني ... لذلك كان مناوئا لنهج المتكلمين .. بسبب انبناء كثير من نظرياتهم على .... مجرد تقديرات ذهنية .... والعبرة عند ابن تيمية لا بما تقدر بذهنك .... ولكن .. بما يوجد فى "نفس الامر" .. اي فى الخارج ...

هذا النزوع المنهجي الواقعي .. ظل ابن تيمية وفيا له ... وطبقه بكل لوازمه فى نظريته اللغوية ..

وهكذا .... طوح بمفهوم "المواضعة"وسلكه فى سلك التقديرات الذهنية ..... واعتبر ان جوهر اللغة .. هي استعمال "فى نفس الأمر" .... فأين ما وجهت وجهك ... لن تجد الا من يستعمل اللغة ... وقد يقال على سبيل الاعتراض ... فما بال هذه المصطلحات الجديدة ... فى كل العلوم .. أليست نتاج المواضعة ... ثم اليس من الممكن .. ان نخترع فى كل لحظة اعرافا لغوية ... غير مسبوقة ... هذا الاعتراض يبدو قويا (وهو عمدة من اعترض على ابن تيمية) ... لان شيخ الاسلام لا يمكن ان يتغاضى .. على انه فى كل علم .... تولدت مصطلحات ... بعضها مرتجل وبعضها منقول ...

لكن قوة هذا الاعتراض لبادي الرأي فقط .... لأن شيخ الاسلام سيزيحه بضربة واحدة ..

ألم تستعمل اللغة فى هذه المواضعة .... ؟ بلى ...

إذن هذا الاعتراض يقوي نظرية ابن تيمية .. ولا يقوضها .... فالرجوع الى الخارج اي الى "نفس الامر" ... لا نجد الا الاستعمال الذى نوظف به الكلمات" القديمة "ونضع به الكلمات" الجديدة" ... اما الوضع السابق للاستعمال ... فلا يشهد له الا التقدير الذهني ..... وقد قلنا آنفا انه لا سبيل الى البرهنة عليه ...

قال -رضي الله عنه-فى الايمان الكبير: نعم قد يضع الناس الاسم لما يحدث مما لم يكن من قبلهم يعرفه فيسميه كما يولد لأحدهم ولد فيسميه اسما إما منقولا واما مرتجلا وقد يكون المسمى واحدا لم يصطلح مع غيره وقد يستوون فيما يسمونه وكذلك قد يحدث للرجل آلة من صناعة أو يصنف كتابا أو يبنى مدينة ونحو ذلك فيسمى ذلك باسم لأنه ليس من الأجناس المعروفة حتى يكون له اسم فى اللغة العامة ....

فلا مجال للتشغيب عليه ... فالرجل واع بامكان الاصطلاح بين الناس ... ويقر به .. ويقبله ... وهذه الوظيفة اللغوية .. هي التي سماها علماء اللغة المعاصرون .. "الوظيفة الميتا لغوية "وادرجوها ضمن وظائف اخرى كالوظيفة الانفعالية والتعبيرية .. واللغوية (بالسكون) والاحالية .. (ينظر مثلا ما كتبه رومان ياكبسون .. احد الشكلانيين البنيويين .... )

انظر الى قوله: فيسميه اسما ... اي يستعمل اللغة ليفهم الناس ان ابنه منذ اليوم يسمى زيد .. او بكر ...

لكن اين هذا من ذاك .. فالوضع الاولي ثبتت به اللغة .. الوضع الميتالغوي ثبت باللغة ... فليتأمل ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير