"ضرب"يجب ان تكون موضوعة للضرب المطلق ... ويستحيل ان تكون موضوعة لخصوصية كل ضرب ... لكننا عندما نريد استعمال .... هذا الفعل فإننا ... نسنده الى فاعل خاص .... ونعبر به عن ضرب مخصوص .. وقع فى مكان وزمان مخصوصين .... فتحتم المجاز ... لاننا استعملنا ما وضع للعموم .. للدلالة على الخصوص ... او ما وضع للمطلق للدلالة على المقيد .. فثبت فى كلتا الحالتين استعمال كلمة فى غير ما وضعت له .... وهذا مشهور متداول عند اهل البيان ... ويسمونه "المجاز المرسل"علاقته الاطلاق او التقييد ..
ففي قولهم "مشفر الرجل" .... يقترحون التأويل التالي: المشفر موضوع لشفة البعير .... وهنا اسند الى الرجل .... فمشفر مجاز ... ثم يفصلون:ان كان المستعمل لهذا التعبير قد قصد تشبيه شفة الانسان بمشفر البعير ... من حيث الغلظ .. والتشقق .. فهنا استعارة تصريحية .... وان لم يعتبر علاقة المشابهة ... بل اراد الشفة .. فعبر عن الجنس بالنوع ...... فسيكون عندنا مجاز مرسل .....
هذا هو تحليل ابن جني ... لمقولة الفعل بدون فرق ... فعنده الضرب موضوع للجنس فان استعملناه فى النوع او الافراد .... فقد حصل المجاز ...
بل يمكن ان نضيف الى تحليله امرا آخر ....... فصيغة ضرب تدل على الماضي .. والصيغ الصرفية عند المحققين من اهل البلاغة ... موضوعة "بالوضع النوعي" ... لا الشخصي ... صيغة فعل-بالفتح- .. تدل على مطلق الماضي ... ونحن عندما نقول .. كتب .. نقصد حيزا فى الماضي خاصا-وقوع الكتابة يوم الجمعة مثلا-فصرنا الى المجاز مرة اخرى .... اي باعتبار المادة وباعتبار الصيغة ...
ويأبى ابن جني .. الا ان يطم المجازعلى كل مساحات اللغة فيقول اثر ما نقلناه عنه آنفا:
وكذلك قولك: ضربت عمرا مجاز أيضا من غير جهة التجوز في الفعل - وذلك أنك إنما فعلت بعض الضرب لا جميعه - ولكن من جهة أخرى وهو أنك إنما ضربت بعضه لا جميعه ألا تراك تقول: ضربت زيدا ولعلك إنما ضربت يده أو إصبعه أو ناحية من نواحى جسده ولهذا إذا احتاط الانسان واستظهر جاء ببدل البعض فقال: ضربت زيدا وجهه أو رأسه. نعم ثم إنه مع ذلك متجوز الا (تراه قد يقول): ضربت زيدا رأسه فيبدل للاحتياط وهو إنما ضرب ناحية من رأسه لا رأسه كله. ولهذا ما يحتاط بعضهم في نحو هذا فيقول: ضربت زيدا جانب وجهه الأيمن أو ضربته أعلى رأسه الأسمق لأن أعلى رأسه قد تختلف أحواله فيكون بعضه أرفع من بعض ... "انتهى.
باختصار يبدو انه لا سبيل الى الحقيقة .. الا بتعيين عدد الخلايا .. التي وقع عليها ذلك القسط من الضرب .. مع تحديد عدد الذرات التى تلامست ..
ووقع فيها الاحتكاك. وهذا فوق طاقة البشر كما لا يخفى .....
ويأبى ابن القيم الا ان يثخن من جراح المجاز ... فيحول الانظار الى ما تبقى فى اللغة وهو الحروف .... فيلزم المجازيين ... بأمور قريبة مما ... سبق مع ابن جني ...... فيقول فى الصواعق: وهذه الروابط-اي الحروف-لها دلالتها على معناها الافرادي مشروط بذكر متعلقاتها ... وهو القرينة المبينة لمعناها ... وذلك امارة المجاز عندهم ..
فهم بين امرين ... اما ان يدعوا ان الحروف كلها مجاز فهذا غلط .. لو كان المجاز ثابتا فإنها لم يسبق لها موضوع غير موضوعها الذى هي مستعملة فيه ... واما ان يقول ان توقف فهم معناها على القرينة لا يوجب لها ان تكون مجازا ... (كذا فى النسخة التى انقل منها .. ولعل الصواب يوجب لها ان تكون مجازا ... او لا يوجب لها ان تكون حقيقة ... والمعنى مفهوم بلا ريب) فيقال لهم: هكذا الاسماء والافعال التي لها دلالة عند الاقتران ودلالة عند التجرد لا يؤدي توقف فهم معناها عند الاقتران على القرينة ان تكون مجازا .. وهل الفرق الا تحكم محض.؟
وعلى العموم فنظرية وضع الحروف .... تخبط فيها اللغويون والاصوليون كثيرا ......
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[16 Apr 2005, 02:52 م]ـ
¥