تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذه الاعتبارات كافية لاضعاف نظرية المجاز فى اللغة ... لكن عندما ندخل فى حسباننا النصوص الشرعية ... سيكون نفي المجاز واجبا شرعيا- ومن ثم اصبح البحث فى مسألة المجاز ليس من قبيل الترف او الرياضة الذهنية ... بل هو مطلوب شرعا - ... فالقول بأن "لا مجاز فى القرآن"يستجيب فى الحقيقة ... لنوعين من الاكراه: اكراه عام ... يتمثل فى اللوازم الباطلة من افتراض المجاز- وقد ذكرنا بعضها -واكراه خاص يتعلق ... بمسلمات المؤمن بالقرآن ..... من كونه لا يأتيه الباطل من اية جهة من الجهات ... والمجاز يحمل فى طياته "الكذب"لذا يتعين ابعاده عن النصوص الشرعية بكل قوة ....

وقبل الاستدلال على طبيعة المجاز من حيث الصدق والكذب ... نورد ادلة من يرى المجاز موجودا فى القرآن:

عمدة هؤلاء .... دليلان:

القرآن نزل بلغة العرب ... والمجاز اسلوب موجود فى العربية .... فلاضير من وجوده فى القرآن ....

اما الدليل الثاني .... فقد صاغه جلال الدين السيوطي فى "اتقانه "على الشكل التالي:

وأما المجاز فالجمهور أيضا على وقوعه فيه وأنكره جماعة منهم الظاهرية وابن القاص من الشافعية وابن خويز منداد من المالكية وشبهتهم أن المجاز أخو الكذب والقرآن منزه عنه وأن المتكلم لا يعدل إليه إلا إذا ضاقت به الحقيقة فيستعير وذلك محال على الله تعالى

وهذه شبهة باطلة ولو سقط المجاز من القرآن سقط منه شطر الحسن فقد إتفق البلغاء على أن المجاز أبلغ من الحقيقة ولو وجب خلو القرآن من المجاز وجب خلوه من الحذف والتوكيد وتثنية القصص وغيرها ... "

لقد تصدى الشيخ الامين الشنقيطي .. للدليل الاول .. فنقضه فى رسالته "منع جواز المجاز":

"فإن قيل كل ما جاز فى اللغة العربية جاز فى القرآن لانه بلسان عربي مبين.

فالجواب: ان هذه كلية لا تصدق الا جزئية .... وقد اجمع النظار على ان المسورة تكذب لكذب سورها كما تكذب الموجهة لكذب جهتها. وايضاح هذا على طريقة المناظرة ان القائل به يقول المجاز جائز فى اللغة العربية فهو جائز فى القرآن .. ينتج من الشكل الاول المجاز جائز فى القرآن.

فنقول: سلمنا المقدمة الصغرى تسليما جدليا لان الكلام على فرض صدقها وهي قولنا المجاز جائز فى اللغة العربية .... ولكن لا نسلم الكبرى التى هى قوله: وكل جائز فى اللغة العربية جائز فى القرآن .. بل نقول بنقيضها ..... وهي قولنا بعض ما يجوز فى اللغة ليس بجائز فى القرآن فإذا تحقق صدق هذه الجزئية السالبة تحقق نفي الكلية الموجبة ...

فمن ذلك ما يسميه علماء البلاغة "الرجوع"وهو نوع من انواع البديع المعنوي ..... وحده الناظم بقوله:

وسم نقض سابق بلاحق*******لسر الرجوع دوم ما حق

فإنه بديع المعنى فى اللغة عندهم وهو ممنوع فى القرآن العظيم لأن نقض السابق فيه باللاحق انما هو لاظهار المتكلم الوله والحيرة من امر كالحب مثلا ثم ظهر انه ثاب له عقله وراجع رشده فينقض كلامه الاول الذي قاله فى وقت حيرته غير مطابق للحق كقول زهير:

قف بالديار التي لم يعفها القدم ..... بلى وغيرها الارواح والديم

يقصد الشنقيطي-رحمه الله-ان "الرجوع "يقوم على ارتكاب خطإ ما ثم الرجوع عليه بالتصحيح ... ويرى ان مثل هذا لا يجوز فى القرآن ضرورة. وان استحسن فى كلام الشعراء ..

ومن هذا المشرب ايضا ... ما يسمى عندهم ب"حسن التعليل"ومعناه ايراد معنى وتفسيره تفسيرا طريفا شعريا مخالفا للواقع ولكنه مستحب للنفوس .. وحسن التعليل هذا ... انواع ضرب له الشنقيطى امثلة وحسبنا منها مثالا واحدا يبين المقصود .. قول ابي هلال العسكري:

زعم البنفسج انه كعذاره

حسنا فسلوا من قفاه لسانه ..

فعلل الشاعر خروج ورقة البنفسج الى الخلف .. باعتباره عقوبة له على افترائه .. عندما زعم انه يشبه المحبوب المتغزل به ...

ولا ريب ان هذا الكذب"الشعري" لا يجوز فى القرآن ....

ومن هذا السبيل ايضا .... ما سماه اهل البديع .. ب"تجاهل العارف"ومعلوم انه لا يجوز فى القرآن لاستحالة التجاهل على الله تعالى ..

وقد فطن الامام الشنقيطي الى ان السكاكي فطن لهذا فعدل عن لفظ التجاهل وسماه "سوق المعلوم مساق غيره لنكتة"ليدخل فيه مواضع من القرآن زعم انها منه ...

وعبارة الجمهور بلفظ التجاهل ولا تخفى استحالته على الله تعالى ... (الا تصل احيانا رغبة الانتصار للمذهب الى حدود الاقتراب من اقتراف الغش .. فهل كان المظنون عند السكاكي ان تغيير التسمية يكفي لتسويغ الباطل؟؟؟)

ثم ساق الشنقيطى وجوها اخرى من البلاغة مطلوبة عند الشعراء والادباء .. لكنها لا تقبل فى القرآن ... فثبتت سقوط دعوى ان كل ما يجوز فى اللغة العربية جاز فى القرآن العظيم ....

أما الدليل الثاني الذى اورده السيوطي ... فلم اجد من رد عليه ... لكن الحقيقة حجته ضعيفة جدا .... فقوله:"وهذه شبهة باطلة ولو سقط المجاز من القرآن سقط منه شطر الحسن."هو نفسه شبهة باطلة ...

ونرد عليه بما يلي: انت نفسك لا تنكر وجود الحقيقة فى القرآن ... فيلزم على رأيك ان يكون فيه شطر غير حسن ... وهذا هو مفهوم قوله بلا ريب ...

ويلاحظ ايضا ان السيوطي -غفرالله له-تحاشى فى النص السابق الرد على من قال ان المجاز كذب ... واورد شبهته تلك مع ضعفها ... فبقيت دعوى الكذب قائمة ... وان حاول غيره الرد عليها ولكن الحقيقة لم يأتوا بشيء ....

وسنعرض لهذه المسألة بعد حين ان شاء الله تعالى ...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير