ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[16 Apr 2005, 09:53 م]ـ
تقسيم اللغة الى حقيقة ومجاز .... يثير الشك فى المجاز بالنظر المجرد الى الاصطلاح .... فهو قسيم اي مقابل للحقيقة .... ومما يقابل الحقيقة ... الباطل ... والكذب ... والبهرج .. والزيف ... فيكو ن المجاز .. منتميا لا محالة الى هذا الحقل الدلالي ... الذي ينفر منه الانسان السوي ... ومن ثم يدرك تهافت تعبير السيوطي ... السابق .. عندما جعل المجاز مقترنا بالحسن .... وهو فى الوقت ذاته ضد الحقيقة ... الا ان يكون المجاز له وجه داخلي هو الباطل او الكذب .... او اي معنى يقترح ضدا للحقيقة .. ووجه خارجي هو الحسن والبلاغة والرونق الخ .... فيكون وضع المجاز .. قلق جدا ... متنازع فيه اشد التنازع ... فبينا هو من وجهة نظر اخلاقية .. كذب ممجوج .... اذا هو من وجهة نظر جمالية حسن منشود ... والفصل بين وجهتي النظر هاتين .... هو من شأن العلمانيين ...
لا من ديدن المسلمين .... ف"خضراء الدمن .... "مستقبحة شرعا ... رغم الاعتراف بلونها وظاهرها البهيج .... وكذلك المجاز .. يستحق ان يوصف ب"خضراء الدمن" .... كما استحق من قبل اسم "الغول" ...
ولكن علينا ان نثبت اولا ان المجاز كذب ....
اولا:ان وضع المجاز فى مقابل الحقيقة .... فيه اقرار بمعنى الكذب ... والا فماهذا الذي يكون ضد الحق ...... ولهذا الامر انشغل البلاغيون ... بمصطلح "حقيقة" لكنهم لم يوردوا كل معانيها .. لحاجة فى انفسهم قال الخطيب فى الايضاح:"الحقيقة إما فعيل بمعنى مفعول من قولك حققت الشيء أحقه إذا أثبته أو فعيل بمعنى فاعل من قولك حق الشيء يحق إذا ثبت أي المثبتة أو الثابتة في موضعها الأصلي ..... "
فلاحظ ايها اللبيب .. ان الخطيب جعل معنى الحق .. هو الثبات .. ولم يشر الى غيره ... بينما صاحب اللسان ... جاء تعريفه الاول لمادة [(حقق) الحَقُّ نقيض الباطل وجمعه حُقوقٌ وحِقاقٌ وليس له بِناء أدنى عدَد وفي حديث التلبية لبَّيْك حَقّاً حقّاً أي غير باطل] ثم ذكر من معانيه الثبات والصدق والوجوب .. ونحن لا ننكر معنى الثبوت للحق ولكن نقول من عادة المصنفين من المحققين .. عندما يتعرضون لمصطلح ان يشيروا الى جل معانيه فى اللغة .... وليس هذا صنيع الخطيب ... رحمه الله.
وافضل من صاحب اللسان .... صاحب التاج. عندما بدأبقوله: الحَقُّ: من أسماء اللهِ تَعالَى أو من صفاتِه قالَ ابنُ الأثِيرِ: هو المَوجُودُ حقيقةً المُتحَققُ وجُودُه وإلهِيته وقال الراغِبُ: أصلُ الحَقِّ: المُطابقةُ والمُوافَقَة كمُطابَقَةِ رِجلِ الباب في حُقهِ لدَوَرانِه على الاستِقامَةِ والحَقًّ: يقالُ لمُوجدِ الشيءَ. بحَسَب ما تَقْتَضِيه الحِكمَةُ ولِذلِكَ يُقال: فِعلُ اللهٍ كُله حَق وللاعْتقادِ في الشيء التطابِقِ لما عَلَيه ذلِكَ الشَّيء في نَفْسِه ..
والحَق: خِلاف الباطِل جَمعُه: حُقُوق وحقاقٌ وليسَ له بِناءُ أَدنَى عدَد ..
والحَق: المَوْجُودُ الثابِتُ الذي لا يَسُوغُ إِنْكارُه ......
وفي شَرْح العَقائدِ: الحَق عُرْفاً: الحُكْمُ المُطابِقُ للواقِع يُطلَقُ على الأقوالِ والعَقائدِ والأدْيانِ والمَذاهِبِ باعتِبار اشْتِمالِها عَلَى ذلِك ويُقابِلُه الباطِلُ وأَمَّا الصِّدْقُ فشاعَ في الأَقْوالِ فَقَط ويُقابِلُه الكَذِبُ وفُرِّقَ بينَهُما بأنَّ المُطابَقَةَ تُعْتَبَرُ في الحَقِّ من جانِبِ الواقِع وفي الصِّدق من جانِبِ الحُكْم فمَتَى صَدَق الحُكمُ صَدَقَ مطابَقَتُه للواقِع ومَعْنَى حَقِّيَّتِه: حَقِّيَّة مُطابَقَةِ الواقِع إيّاه. والحَقُّ: واحِدُ الحُقُوقِ والحَقَّةُ: أَخَص منه يُقالُ: هذِه حَقَّتِي أي: حَقِّي نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ. والحَقَّةُ أيْضاً: حَقِيقَة الأمْرِ يُقال: لمّا عَرَفَ الحَقَّةَ مِنِّي هَرَب نَقَله الجَوْهَرِي. وحَقِيقَةُ الأمْرِ: ما يَصيرُ إِليه حَقُّ الأمْرِ ووُجُوبُه يُقال: بَلَغَ حَقِيقَةَ الأمْرِ أي: يَقِينَ شَأنِه. انتهى بعض كلام الزبيدي رحمه الله ....
ومما يستفاد من كلامه ... ان الحقيقة هي المطابقة للواقع .... فغيرها وهو المجاز غير مطابق للواقع فهو باطل ... وليس من المجازيين من ينكر هذا الامر فهم يقولون .... "الاسد"فى المجاز ليس اسدا حقيقيا ... ففي الواقع لم يأتك اسد ... ولكن اتاك غيره .... وهذا هو الباطل ....
اما إذا اعتبرنا ... حيثية الاخبار عن الواقع .... فالمجاز كذب ... ولا يخلو المجاز من الوصفين .... : باطل باعتبار مطابقة الوقائع ... او كاذب باعتبار علاقة اللغة بالواقع ..
وحتى عند التسليم ... بان الحقيقة هي الثبات .... نصطدم .. بكون" كلمة حقيقة"لا تعبر حتى عن نفسها بهذا المعنى .. فى ادبيات المجازيين ...
قال الدكتور لطفى عبد البديع ... فى كتابه "فلسفة المجاز بين البلاغة العربية والفكر الحديث":"فالمعول عليه عندهم فى المجاز النقل خلافا للحقيقة التي تقوم على الثبات ... ولكن هل نجت الحقيقة من النقل الذي ظلوا يلاحقون به المجاز؟ والجواب عن ذلك بالسلب ... فظاهر صنيعهم فى تصور الحقيقة يؤخذ منه انها نقل ايضا على ما ذكره صاحب" الكشف " [يقصد البزدوي] إذ نقل اولا اللفظ الى الاعتقاد المطابق للواقع لأنه اولى بالثبوت من غيره .. ثم نقل منه الى القول المطابق لذلك الاعتقاد .... ثم نقل منه الى ذلك المصطلح عليه ... اي اللفظ المستعمل فى موضوعه الاصلي ... قال: فظهر ان اطلاق لفظ الحقيقة على هذا المعنى المعروف مجاز واقع فى المرتبة الثالثة بحسب اللغة ...
ولا يملك المرء الا ان يتعجب من هذه المفارقة .. فالحقيقة التي هي اصل المجاز ... تحتاج الى المجاز نفسه لتسمي نفسها ...
¥