تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"أعلمْ أنَّ سبيلك أوّلاً أن تعلم أنْ ليستِ المزيّةُ التي تُثبتُها لهذه الأجناس على الكلام المتروك على ظاهرِه والمبالغةُ التي تدَّعي لها في أنفسِ المعاني التي يقصدُ المتكلمُ إليها بخبرِه ولكنّها في طريق إثباتِه لها وتقريرِه إيّاها. تفسيرُ هذا أنْ ليس المعنى إذا قلنا: " إن الكنايَة أبلغُ منَ التَّصريح " أنّك لمّا كنيتَ عن المعنى زدتَ في ذاته بل المعنى أنّك زدتَ في إثباتهِ فجعلتَه أبلغَ وآكد وأشدَّ. فليستِ المزيّةُ في قولهم: " جمُّ الرماد " أنّهُ دلَّ على قِرًى أكثرَ بل المعنى أنك أثبتَّ له القِرى الكثيرَ من وجهٍ وهو أبلغُ. وأوجبْتَهُ إيجاباً هو أشدُّ وادَّعيته دعْوى أنتَ بها أنطقُ وبصحَّتها أوثق. وكذلك ليست المزيّةُ التي تراها لقولك: " رأيتُ أسداً " على قولك: " رأيتُ رجلاً لا يتميَّزُ منَ الأسد في شجاعته وجُرأته " أنّك قد أفدتَ بالأول زيادةً في مُساواته الأسدَ بل أنَّك أفدتَ تأكيداً وتشديداً وقوّة في إثباتك له هذه المساواةَ وفي تقريرِك لها. فليس تأثيرُ الاستعارةِ إذاً في ذاتِ المعنى وحقيقتِه بل في إيجابهِ والحكمِ به وهكذا قياسُ التّمثيل ترى المزيَّةَ أبداً في ذلك تقعُ في طريقِ إثباتِ المعنى دون امعنى نفسه. فإِذا سمعْتَهم يقولون: إنَّ من شأنِ هذه الأجناسِ أن تُكسِبَ المعاني نُبلاً وفضلاً وتوجِبَ لها شَرفاً وأن تفخمَها في نفوسِ السّامعين وترفَعَ أقدارَها عند المُخاطَبينَ فإِنّهم لا يُريدون الشَّجاعةَ والقِرى وأشباهَ ذلك من مَعاني الكلِم المُفردةِ وإنّما يَعْنون إثباتَ معاني هذه الكلِم لمَنْ تثبتُ له ويُخَبَّرُ بها عنه .... "

لكن يبدو ان البلاغيين بعد الجرجاني لم يقتنعوا بهذا المسلك فتعقب الخطيب قول الجرجاني السابق قائلا:

ولقائل أن يقول قد تقدم أن الاستعارة أصلها التشبيه وأن الأصل في وجه الشبه أن يكون الشبه به أتم منه في المشبه وأظهر فقولنا رأيت أسدا يفيد للمرء شجاعة أتم مما يفيدها قولنا رأيت رجلا كالأسد لأن الأول يفيد شجاعة الأسد والثاني شجاعة دون شجاعة الأسد ويمكن أن يجاب بحمل كلام الشيخ على أن السبب في كل صورة ليس هو ذلك لا أن ذلك ليس بسبب في شيء من الصور أصلا ...

ويتلخص من كلام الخطيب .. ان المبالغة فى الاقناع والتأثير على المخاطب وان كانت واردة ومطلوبة فإنه لا ينبغي ان تخفي المبالغة الاخرى التى أنكرها الشيخ الجرجاني .... وعلى هذا النهج سار ابن يعقوب المغربي عندما شرح كلام الخطيب المتعلق بالمفاضلة بين التشبيه والاستعارة فقال:" ...... فيستشعر من ذلك أنه بالغ فى التشبيه حتى سوى بينهما وصيرهما من جنس واحد بحيث يشملهما الاسم على ما تقدم فى الاستعارة ففهم من ذلك مساواتهما عند المتكلم فى الشجاعة الجامعة لهما فهنا مبالغة فى التسوية أفادها التعبير عن المشبه بلفظ المشبه به لأن ذلك يشعر باتحادهما وكونهما شيئا واحدا وهذه المبالغة لا توجد فى الحقيقة التي هي التشبيه كأن يقال زيد كالاسد لأن اصل التشبيه الاشعار بكون الوجه فى المشبه به أقوى فلا مساواة فقد ظهر أن الاستعارة تفيد المبالغة فى تسوية الشبيهين فى الوجه والمبالغة فى تقرير اللازم فى الذهن .... "

ويستفاد من آخر كلام ابن يعقوب ... ما تقرر عند الخطيب من ان المبالغة فى الاستعارة مزدوجة ... مبالغة فى زيادة المعنى فى الخارج ... وزيادة فى تقرير المعنى فى الذهن .... فيعود الاشكال من جديد:

هل يمكن للنص الديني .... ان يزيد على معاني الاشياء .... فالاحمر الباهت مثلا هل يمكن ان ندعي فيه بأنه احمر قان .... أليس هذا كذبا؟

وهذا اوان التفصيل فى مسألة الكذب هذه:

قال صاحب الايضاح:

اختلف الناس في انحصار الخبر في الصادق والكاذب فذهب الجمهور إلى أنه منحصر فيهما ... ثم اختلفوا ..

فقال الأكثر منهم صدقه مطابقة حكمه للواقع وكذبه عدم مطابقة حكمه له .. هذا هو المشهور وعليه التعويل.

وقال بعض الناس صدقه مطابقة حكمه الاعتقاد المخبر صوابا كان أو خطأ وكذبه عدم مطابقة حكمه له .. واحتج بوجهين أحدهما: أن من اعتقد أمرا فأخبره به ثم ظهر خبره بخلاف الواقع يقال ما كذب ولكنه أخطأ كما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت فيمن شأنه كذلك ما كذب ولكنه وهم .....

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير