العجب أن ما قاله هذا الكاتب هو جوهر نظرية ابن تيمية في اللغة بل هي عمدة شيخ الاسلام في انكار المجاز ... فابن تيمية يرى أنه لا حاجة الى تقسيم اللغة الى حقيقة ومجاز وافتراض طبقتين فيها .. فالقرائن كفيلة بإظهار مراد المتكلم فقولك " جاء أسد "يفهم منه الرجل الشجاع باعتبارقرائن.ويفهم منه الحيوان باعتبار قرائن ... فأي ضرورة للقول بأن هذا أصيل وهذا طاريء مع أن القرائن هي الموجهة.
وهذه النظرية متينة وقد تبناها معظم اللغويين المعاصرين.
قول الكاتب:
أن القول: بأن المجاز ذريعة إلى نفي الصفات الإلهية، وتأويلها ليس مسوغاً لنفي المجاز.
قلت:
نفي المجاز يستجيب لاعتبارات موضوعية. فإن انضاف اليها عامل "سد الذريعة"كان النفي أوكد.
قوله:
أما القول بأن الألفاظ كلها حقيقة أو أن تقسيمها إلى حقيقة ومجاز تقسيم حادث لم تعرفه العرب - فذلك يحتاج إلي نظر.
فإن أريد بذلك أن العرب لم يضعوا هذا المصطلح فنعم.
وإن أريد أنه لا يوجد في كلامهم مجاز فهذا غير صحيح، بل الشواهد من كلامهم على استعمال المجاز أكثر من أن تحصر، وذلك مما استفاض به النقل عن علماء اللغة.
قلت:
ابن تيمية لا ينكر هذه الاستعمالات-وأنى له ذلك-بل ينكر التفسير البلاغي لها. وقريب من هذا ما حصل لابن مضاء القرطبي عندما انكر أن يكون الفعل عاملا في الفاعل ... فليس مراد ابن مضاء ان يقول " جاء زيد " ليس من كلام العرب بل مراده أن تعليل الرفع عند النحاة لا دليل عليه ويمكن استبدال تعليل آخر به.
فأهل البلاغة يقولون بالعلاقة في المجاز بمعنى ما أن تقرأ كلمة مستعملة مجازا إلا استحضرذهنك المعنى الحقيقي فتكتشف من خلال المقارنة الآلية بين الحاضر والغائب معنى التشابه أو الجزئية او الكلية الى غير ذلك من العلاقات. فبدون هذه المقارنة لا مجاز لذلك يميزون بين المجاز والخطأ .. فقولك "خذ الفرس" وانت تقصد" الكتاب" ليس مجازا لغياب العلاقة.
وقد انتبه الإمام ابن تيمية الى خطورة المسألة عقديا في موضوع"الاسماء والصفات":
فقولنا" يد الله" مجاز يستدعي استحضار المعنى الحقيقي ل"يد".وليس الحقيقة الا الجارحة المكونة من لحم ودم وأعصاب. هنا يصاب المسلم بالهلع فيفر الى التعطيل.
أما شيخ الاسلام فيرى أن استحضار يد الانسان في هذا المقام خطأ. لأن القرائن تشير الى "يد الله" لا يد الانسان. ويوظف مفهوما اجرائيا يسمى "القدر المشترك"وبه ينسف نظرية المجاز-سأوضح هذا إن شاء الله عندما أستأنف كلامي فى الموضوع-
كل هذا يهون لكن اقرأ ما يلي:
وبعد أن نقل الشيخ العسكر هذه الفتوى قال: " ومع أنني لم أهتد إلى هذه الفتوى في مظانها من المطبوع من مؤلفات شيخ الإسلام وفتاواه - فإن عدم اهتدائي هذا لا ينفي وجودها في كتابات الشيخ مطلقاً.
بَيْدَ أني مطمئن غير مرتاب في نسبة هذا الكلام إلى شيخ الإسلام.
قلت:لا أظن منهج البحث العلمي يسوغ هذا الكلام.-أخي ابا مجاهد هل تقبل هذا الكلام مني لو كنت مشرفا على بحث لي؟ -
وتبريره:
أن المطبوع من أعمال شيخ الإسلام لا يمثل إلا القليل مما كتب في حياته كلها.
وأنت خبير أنه صاحب قلم سيال، ومكثر من الكتابة جداً، حتى قال الذهبي: " جاوزت فتاوى ابن تيمية ثلاثمائة مجلد "
قلت:
هذا التبرير شر مستطير .... فإن كان لابن تيمية نظرية معتدلة في المجاز استنادا الى نص غير موجود .... فلتكن له نظرية فى الاسماء والصفات "معتدلة"قريبة من الاشاعرة استنادا الى نصوص مفقودة ....... وهكذا ..... الحاصل فقدان الثقة في أقوال ابن تيمية كلها بسبب أقوال اخرى له معارضة موجودة في ضمن المفقود ...... هذا اقرب الى الوسوسة منه الى الاحتياط ......
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[20 Jul 2005, 06:20 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
اطلع الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد على تعليق الأخ أبي عبد المعز على المقال المشار إليه في التعليق رقم 13 وأرسل إلي رسالة جميلة هادئة قال فيها:
(بإمكانك قراءة الحديث عن المجاز في هذا الملف المرفق ففيه زيادة.
وأو أن تشير إلى أن الشيخ د. عبدالمحسن العسكر متخصص في اللغة بل في البلاغة فلا داعي لوصف كلامه بأنه سطحي.)
والملف مرفق مع هذه المشاركة.
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[20 Jul 2005, 10:00 م]ـ
الاخ أبا مجاهد ....
بلغ تحياتي الى الشيخين الجليلين: محمد بن إبراهيم الحمد والشيخ د. عبدالمحسن العسكر .... وأعتذر عن استعمالي الخشن لكلمة "سطحية" وارجو من المشرف حذفها والسطر الموجودة فيها ......
ومع ذلك فإن دعوى قولين لا بن تيمية في المجاز لا يغير من الأمر شيئا. وذلك لما يلي:
-إن صح قوله بالمجاز فذلك في بداية أمره .... واستقرأمره على النفي كما فصل فيه فى كتاب الايمان الكبير والرسالة المدنية وردوده على الآمدي .....
-احتمال الرجوع الى قوله الأول مستبعد جدا .... وإلا كيف يكتب بعده ابن القيم رده القوي للمجاز واصفا له بالطاغوت ومسلحا بأكثر من خمسين وجها .... تجدها في مختصر الصواعق وبعضها مأخوذ أصلا من كتب شيخه.
-نفي المجاز هو المنسجم مع نظرية ابن تيمية فى اللغة-وهذا سأوضحه فيما بعد-
-اعتراف ابن تيمية بوجود المجاز-إن صح عنه- يفهم على أساس مجاراة الناس في اصطلاحهم .... وليس اعترافا بصواب تصورهم وتفسيرهم للمجاز ...
فلو قلنا لابن تيمية ما تقول في "رمى الأسد بالقوس" لربما قال مجاز مجاراة للاصطلاح الشائع ... لكنه يرفض بقوة ما يتصوره المتكلمون والبلاغيون تحت مسمى المجاز ...
ختاما أقول لست إلا من طبقة تلاميذ الشيخين الكريمين ...... أو أدنى من ذلك .... وأرجو أن يتحملا مشاكسة تلميذ قد يكون تستر بالمشاكسة ليخفي عدم نجابته.
والسلام عليكم ورحمة الله.
¥