ومن هنا كان من حق كتاب الله على طلبة العلم، ومن باب النصح لهذا الكتاب أن شرعت في هذا البحث لأبين المراد من المثلية في آيات التحدي، ليكون ذلك أبلغ رد على هذه السمادير وتلك الترهات التي ملأت العيون.
ولقد كان شغفي بهذا البحث كبيراً وبخاصة وأنا أنظر إلى قراء هذه المواقع فأجد طائفة من الشباب المسلم ما زالوا حديثي عهد بالثقافة الإسلامية ولكنهم يقرؤن ويدافعون على قدر ثقافتهم 0
إنهم شباب ليسو على علم الشيخ الشعراوي ـ رحمه الله ـ ولا فقه الدكتور القرضاوي – حفظه الله – ولا فطنة ولقانية واستيعاب الشيخ الغزالي ـ رحمه الله ـ.
إن الذين يقرؤن وتفتح لهم هذه النوافذ شباب علاقتهم بالإسلام ضعيفة فمبلغ جهدهم أن يصلوا ويصوموا، ومن هنا يكمن الخطر، [1].
المبحث الأول
دلالة المثلية بين لغة العرب
والقرآن الكريم إن أول ما يبتدأ به في هذا البحث هو الوقوف على معني (المثل) في لغة العرب وفي كلام الله تعالى، يقول ابن فارس في مقاييس اللغة:
[الميم والتاء واللام أصل صحيح يدل على مناظرة الشيء للشيء، وهذا مثل هذا، أي: نظيره، والمثل والمثال في معنى واحد، وربما قالوا: مثيل كشبيه، تقول العرب: أمثل السلطان فلاناً: قتله قوداً، والمعني: أنه فعل به مثل ما كان فعله ... والمَثَل المضروب مأخوذ من هذا أيضاً؛ لأن المعنى فيه إذا نكل به جعل ذلك مثالاً لكل من صنع ذلك الصنيع أو أراد صنعه ... والمَثُلات من هذا أيضاً، قال الله تعالى (وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) (الرعد: من الآية6)
أي العقوبات التي تزجر عن مثل ما وقعت لأجله .. ويحتمل أنها التي تنزل بالإنسان فتُجعل مثالاً ينزجر به ويرتدع غيره،
ومثل الرجل قائماً: أنتصب، والمعني ذاك لأنه مثال نُصب.] [2]
ويقول ابن منظور: [مثل: كلمة تسوية، يقال: هذا مِثلُه ومَثَله كما يقال: شِبهُه وشََبَهه 0
قال ابن بري: الفرق بين المماثلة والمساواة، أن المساواة تكون بين المختلفين في الجنس والمتفقين، لأن التساوي هو التكافؤ في المقدار لا يزيد ولا ينقص وأما المماثلة فلا تكون إلا بين المتفقين، تقول: نحوُه كنحِوه، وفقهه كفقهه ولونه كلونه، وطعمه كطعمه.
فإذا قيل: هو مثله على الإطلاق فمعناه أنه يسد مسده.
وإذا قيل: هو مثله في كذا فهو مساوٍ له في جهة دون جهة. ومثل الشيء أيضاً صفته.] [3]
ويقول العسكري في الفروق: [الفرق بين المِثل والمَثَل:
المِثلان: ما تكافآ في الذات، والمَثَل بالتحريك: الصفة، قال الله تعالى: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) (الرعد: من الآية35) أي: صفة الجنة. وقولك: ضربت لفلان مثلاً، معناه: أنك وصفت له شيئاً، وقولك مِثل هذا كمثل هذا، أي: صفته كصفته وقال الله تعالى (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً) (الجمعة: الآية5) وحاملوا التوراة لا يماثلون الحمار، ولكن جَمَعَهم وإياه صفة فاشتركوا فيها.] [4]
ويقول أيضاً في الفروق. [الفرق بين المثل والند:
إن الند هو المثل المناد، من قولك: نادّ فلان فلاناً، إذا عاداه وباعده، ولهذا سمى الضد نداً، وقال صاحب العين: الند ما كان مثل الشيء يضاده في أموره، والنديد: مثله، والندود: الشرود، والتناد: التنافر، ونددت بالرجل: سمعت بعيوبه ....
الفرق بين المثل والشكل:
أن الشكل هو الذي يشبه الشيء في أكثر صفاته حتى يشكل الفرق بينهما ولا يستعمل الشكل إلا في الصور، فيقال: هذا الطائر شكل هذا الطائر، ولا يقال: الحلاوة شكل الحلاوة، ومثل الشيء ما يماثله في ذاته.
الفرق بين المثل والنظير:
أن المثلين ما تكافآ في الذات، والنظير ما قابل نظيره في جنس أفعاله وهو متمكن منها، كالنحوى نظير النحوي، وإن لم يكن له مثل كلامه في النحو أو كتبه فيه.
ولا يقال: النحوي مثل النحوي، لأن التماثل يكون حقيقة في أخص الأوصاف وهو الذات .....
الفرق بين المثلين والمتفقين:
أن التماثل يكون بين الذوات، والاتفاق يكون في الحكم والفعل، تقول: وافق فلان فلاناً في الأمر ولا تقول: ماثله فيه ...
¥